قلوب أقسى من الحجارة… وسنوات من الجرح لا تُنسى

قلوب أقسى من الحجارة… وسنوات من الجرح لا تُنسى

د. عيد علي

حين تتوقف الإنسانية عن النبض ويصبح القتل خبراً عابراً في شريط الأخبار نعلم أننا نعيش زمناً فقد كثيراً من معاني الرحمة والعدل. نرى المشهد يتكرر لا بصور مختلفة بل بنفس الوحشية وبذات البرود في ردود الفعل: أطفالٌ يُنتشلون أشلاء من تحت الركام أمهاتٌ يحملن جثث أبنائهن على صدورٍ احترقت بالحزن وشعبٌ يُباد على مرأى من العالم.

أي نوع من القلوب تلك التي لا تتألم؟ أي ضمير يمكن أن يصمت أمام هذا الجحيم؟
هنا فقط نفهم قول الله تعالى في وصف بني إسرائيل:
“ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً…”
قلوب ماتت فيها الفطرة وجفّت منها الرحمة حتى صارت أشد صلابة من الصخور بل إن الحجارة تفيض منها الأنهار بينما تلك القلوب لا تفيض إلا بالدم.

وها نحن نرى التاريخ يُعيد نفسه ولكن هذه المرة بصور أكثر بشاعة وبصمت أكثر قسوة.

منذ بداية العدوان على غزة في أكتوبر 2023 قُتل أكثر من 33 ألف إنسان معظمهم من النساء والأطفال.
أُبيدت أحياء سكنية كاملة استُهدفت المدارس دُمّرت المستشفيات قُطعت الكهرباء والماء والدواء ومُنع دخول المساعدات. آلاف العائلات تُركت تواجه الموت وحدها بلا مأوى بلا غذاء ولا أمل.

في خيام النزوح يُولد الأطفال على صوت القصف ويموت بعضهم قبل أن يعرف اسم والدته.
في أزقة غزة باتت الحياة نفسها تقاوم الموت… والوجع أكبر من أن يُحتمل.

ورغم كل هذا لا يزال العالم يكتفي بالتصريحات المعلبة والبيانات الدبلوماسية الباردة وكأن الدم الفلسطيني لا وزن له في ميزان السياسة.

لكن الشعوب لا تموت وكرامة الإنسان لا تُقاس بعدد الرصاصات.

إن ما يحدث ليس فقط قضية فلسطينية بل قضية ضمير عالمي وإنسانية على المحك.
ولهذا لا بد أن ننتقل من الغضب إلى الفعل من البكاء إلى المقاومة ومن الحزن إلى الضغط.

إلى الحكومات العربية:
الشعوب لا تنتظر منكم التعاطف بل تنتظر المواقف.
سحب السفراء وقف التطبيع محاكمة مجرمي الحرب والضغط السياسي الحقيقي… كلها خطوات يجب أن تُتخذ، لا تُؤجل.

وإلى الشعوب العربية والإسلامية والحرّة في كل مكان:
قاطعوا، شاركوا، عبّروا، نظّموا المسيرات، ادعموا الحملات، شاركوا في توثيق الحقيقة… لا تتركوا فلسطين وحدها في ميدان الدم.

فإننا اليوم نقف أمام لحظة فاصلة من التاريخ.
إما أن نكتب اسمنا في سجل الشرف أو أن يسجلنا التاريخ ضمن من شاهدوا ولم يتحركوا.

“وما الله بغافلٍ عما تعملون”
فلا شيء يغيب عن عدله، ولا دم يُهدر بلا حساب.

لقد أدركنا جميعًا أن هذا العدوان ليس مجرد حرب بل إبادة ممنهجة أمام عيوننا تُنفذ بأسلحة العصر وتُغلف بكلمات كاذبة مثل “الدفاع عن النفس” و”محاربة الإرهاب”. لكن أي إرهاب أكبر من اغتيال الطفولة؟ وأي دفاع عن النفس يكون بهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها؟

إن صمتنا جريمة.
جريمة في حق الشهداء الذين ماتوا وهم يحلمون بوطن، في حق الأطفال الذين لم يعرفوا من الدنيا سوى صوت الطائرات في حق الأمهات اللواتي يحفرن قبور أبنائهن بأيديهن المرتجفة في حق شعبٍ يقاوم ليحيا.

فلنُعد لفلسطين حقها علينا لا بالكلمات وحدها بل بالفعل بالدعاء بالوعي بالمقاطعة بالحشد بالتبرع بالنشر وبكل ما نملك من وسائل…
فلسطين لا تحتاج شفقة بل تحتاج مواقف.

ولْيُسجّل التاريخ أن في هذا الزمن ورغم طوفان الصمت كان هناك من نطق بالحق من قاوم بالقلم والصورة والكلمة من وقف في وجه الطغيان ولو بكلمة.

ولْيعلم الظالمون أن عدل الله لا يُهزم وأن الأرض التي باركها الله لن تُمحى من الوجود، مهما اشتدّ القصف وارتفع الدخان.
فلسطين حاضرة رغم الغياب وقريبة رغم الحصار.

ولعلّنا نختم بكلمات يقين لا تزول:
“إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”
فانصروا المظلوم لعل الله ينصرنا جميعاً في زمن عزّ فيه العدل.

قلوب أقسى من الحجارة... وسنوات من الجرح لا تُنسى
Comments (0)
Add Comment