الشخص التجنبي… قنفذ مرهق يبحث عن الأمان

كتبت/ سالي جابر
أخصائية نفسية

كيف تحتضن قنفذًا دون أن تتأذى؟ هذا السؤال يُجسد تحديًا يواجهه الكثيرون في التعامل مع الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية التجنبية. هؤلاء الأشخاص محاطون بـ”شوك” من الخوف، القلق، والهروب من العلاقات، مما يجعل الاقتراب منهم مرهقًا للطرفين. ورغم صعوبة الأمر، يظل التحدي الحقيقي هو إيجاد الطريقة المناسبة للتواصل معهم دون أذية أنفسنا أو أذيتهم.

القنفد محاط جسده بالشوك مما يمنع الكثيرين من الاقتراب منه، مثل الشخص التجنبي يحاوط نفسه بـ( الشوك النفسي)
كلما شعر بالرفض أو الانتقاد، يشعر بالخوف والاضطراب فيبدأ بالانسحاب من العلاقات التي يرى أنها تحمل تهديدًا لأمانه، لديه حساسية مفرطة تجاه مشاعر الآخرين؛ ولهذا فهو دائمًا قلق من أن يكون عبئًا أو غير مرحبًا به.

مثل القنفذ، لا يختار التجنبي أن يكون “شائكًا”، بل يستخدم هذه الدفاعات لحماية نفسه من الألم النفسي الذي يراه مُحتملاً في كل علاقة.

للشخص التجنبي صفات تجعله مرهقًا للغاية في التعامل معه فهو يعاني :
– تردد دائم: الشخص التجنبي يبعث إشارات متناقضة؛ فهو يرغب في القرب لكنه يخشاه.

– خوف مفرط: أي خطأ بسيط أو نقد يمكن أن يُضخم في ذهنه، مما يجعله يبتعد أكثر.

– حاجته المستمرة للتأكيد: يحتاج الشخص التجنبي إلى طمأنة دائمة بأنه محبوب ومقبول، مما يُسبب إرهاقًا للطرف الآخر.
ومع ذلك فهو لا يثق بأحد ولا يصدق أحد، ولا يحب المدح ويكره الانتقاد كثيرًا.
هؤلاء الأشخاص تربوا على النقد المستمر، والقبول المشروط، فاتعلموا أن لابد من دفع الكثير حتى يأخذون القليل.

هل التجنبي الذي دائمًا في حالة هروب يمكننا حبه؟ هل يمكننا احتضان مشاعره رغم شوكه ؟
القنفد لديه القدرة على خفض شوكه إن أراد، وكذلك التجنبي يمكنه خفض الدرع الذي يصدره المحيطين به، لكن ذلك يحدث بشروط:

1. فهم جذور المشكلة:
اضطراب الشخصية التجنبية ليس خيارًا، بل نتيجة مشاعر متراكمة من الخوف والقلق. إدراك هذا يساعدنا على التعامل معهم بتعاطف.

2. الصبر والتواصل اللطيف:
القنفذ يحتاج وقتًا للشعور بالأمان. الشخص التجنبي كذلك، يحتاج إلى مساحة آمنة وتواصل دون ضغط.

3. وضع حدود صحية:
بينما نحاول احتواءهم، من المهم حماية أنفسنا من الإرهاق العاطفي. يمكننا أن نقدم الدعم دون أن نُحمّل أنفسنا مسؤولية تغييرهم.

4. التأكيد دون مبالغة:
منحهم كلمات طمأنة صادقة ومحدودة دون الانخراط في طمأنة مستمرة قد تكون مرهقة.

التعامل مع الشخص التجنبي يشبه الاقتراب من قنفذ. هو تحدٍّ يحتاج إلى حكمة وصبر. القنافذ ليست عدائية بطبيعتها، لكنها دفاعية بسبب خوفها. وكذلك الأشخاص التجنبيون، لا يحتاجون منا إلى تغييرهم، بل إلى تفهمهم وإيجاد طريقة آمنة للتواصل معهم، مع احترام حدودنا وحدودهم.

الشخص التجنبي... قنفذ مرهق يبحث عن الأمان
Comments (0)
Add Comment