المتمردة: الجزء الثامن عشر – اختبار القلوب

 

بقلم د _ عيد علي

 

كان وجود ليلى في حياتي بمثابة نسمة هواء جديدة، تُنعش روحي التي كادت تختنق بثقل الماضي. كانت طاقتها تُعيد ترتيب فوضى حياتي، ولم تكن تخشى أن تواجهني بحقائق قد حاولت الهروب منها طويلًا.

 

“لماذا تسمح للماضي بالتحكم فيك؟” سألتني ذات ليلة، ونحن نجلس تحت سماء مليئة بالنجوم.

 

أجبتها بصوت منخفض:

“لأن الماضي علّمني الكثير، لكنه أخذ مني أكثر مما أعطى.”

 

هزّت رأسها بابتسامة تحمل مزيجًا من التفهّم والتحدي وقالت:

“ربما حان الوقت لأن تعلّم الماضي درسًا. أنت لم تخسر كل شيء. ما زال لديك الفرصة لتبني شيئًا جديدًا، لو أنك فقط صدّقت ذلك.”

 

بدأت كلماتها تجد طريقها إلى أعماقي. شيئًا فشيئًا، بدأت أشعر أنني أستطيع التخلّي عن الحطام القديم والبدء من جديد. كان حبها مختلفًا—ليس حبًا يطلب، بل حبًا يعطي.

 

ومع الوقت، بدأت ليلى تصبح جزءًا من مملكتي. لم تكن فقط شريكة في الحلم، بل كانت شريكة في التخطيط والعمل. كانت رؤيتها مختلفة، تحمل منظورًا جديدًا جعلني أرى الأمور بشكل لم أكن أتخيله.

 

“المملكة ليست جدرانًا وقلاعًا،” قالت يومًا. “هي الناس الذين يعيشون فيها. إذا أردت بناء شيء يدوم، عليك أن تبدأ بالقلوب قبل أن تبدأ بالحجارة.”

 

بدأنا معًا في تغيير مسار المملكة. عملنا على إصلاح ما أفسدته الخيانة، وجعلنا هدفنا الأول هو إعادة الثقة بيننا وبين من حولنا.

 

لكن الماضي لم يكن ليسمح لنا بالسير في طريقنا بسهولة. فجأة، عادت المتمردة لتظهر في حياتي، ليس كشريكة أو حليف، بل كصوت من الماضي يذكّرني بما كنت عليه.

 

“أنت تغيّرت،” قالت لي عندما التقينا صدفة في إحدى القاعات القديمة.

 

“ربما هذا ما كان يجب أن يحدث،” أجبتها بثبات.

 

نظرت إليّ بعينين تحملان مزيجًا من الحزن والاعتراف وقالت:

“أردت أن أكون جزءًا من هذه الرحلة، لكن يبدو أنني لم أكن مستعدة. أما الآن، فأنت مع شخص يليق بك.”

 

كانت كلماتها أشبه بجرس يعلن انتهاء فصل قديم من حياتي. شعرت بالراحة، وكأنني أُغلقت صفحة كنت أخشى مواجهتها.

 

عدت إلى ليلى تلك الليلة، ونظرت في عينيها وقلت:

“أنتِ لستِ فقط بداية جديدة لي، بل أنتِ السبب الذي جعلني أؤمن أنني أستحق بداية جديدة.”

 

ابتسمت ليلى وقالت بهدوء:

“وأنت كنت الضوء الذي قادني إلى هذا الطريق. ربما لم نكن نعرف أننا سنجد بعضنا البعض، لكن القدر كان يعرف.”

 

لكن السؤال الذي بقي في الأفق: هل ستمنحنا الحياة الوقت الكافي لنبني هذا الحلم الجديد؟ أم أن اختبارات القدر لم تنتهِ بعد؟

 

إلى اللقاء في الجزء التاسع عشر…

المتمردة / اختبار القلوب
Comments (0)
Add Comment