د/حمدان محمد
روى الشيخ عبد الرحمن نبيل فوزي، إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف، تجربة شخصية محزنة تثير الكثير من التساؤلات حول استغلال الدين ومظاهر الإسراف بأموال المسلمين.
قال الشيخ: كنت في طريقي إلى العزبة، مكلفًا بمهمة من عملي، أقف مطمئنًا في أمان الله، حين لفتني أحدهم بسبب زيي الأزهري وقال: “يا مولانا، تشتغل معانا في سقيا الماء؟ الفيديو دقيقة ونص مقابل 100 جنيه، يعني 10 فيديوهات في نفس المكان خلال ساعة، بدون مجهود أو تعب. الأكل والشرب والتوصيل علينا، كل يوم 10 فيديوهات أو أكثر بنفس الطريقة. هنبدل الأماكن، ونصور كأنك في مكان جديد كل مرة.”
الكلام أثار حيرتي. وأنا في طريقي للخروج، تهت قليلًا ووجدت نفسي في منطقة غريبة، مليئة باليافطات الرخامية الجاهزة المكتوب عليها آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وكأنها معدّة للإنتاج والتوزيع التجاري.
شاهدت شخصًا يبدو كأنه مدير العمل، يدور منهكًا ولكنه سعيد؛ جيبه مليء بالمال، والنتيجة واضحة: عمل منظم ولكنه استغلالي. بينما كنت أستوعب الموقف، توقفت بدراجتي النارية مستغربًا، فاقتربت مني امرأة وسألت: “عايز حد هنا؟” فأجبتها: “وإنتي شغلتك إيه هنا؟” فقالت بابتسامة: “أنا بشتغل مع الشيخ، أقف جنبُه وأقول آمين وهو بيتكلم، وأخذ عن كل فيديو 100 جنيه.”
استغربت أكثر وسألتها: “يعني هتاخدي نفس اللي أنا هاخده؟” أجابت: “طبعًا، أنت هتروح كل يوم بألف جنيه.. مش وحشة، صح؟”
وأثناء حديثنا، مرّ رجل محترم وقال لي بحزم: “إياك تروح، والله الناس هنا بيعملوا دخل في اليوم بـ30 ألف جنيه. عملهم كله استغلال في استغلال!”
فخرجت من المكان وأنا أشعر بالألم والحسرة. أموال المسلمين تُهدر في مظاهر زائفة وأعمال تجارية باسم الدين، بينما هناك أسر عاجزة لا تستطيع إكمال وصلات المياه، أو دفع تكاليف عداد بسيط يضمن لهم أبسط حقوق الحياة.
وعلى إثر ذلك الموقف أبدى الشيخ حزنه على ما وصل إليه الناس من أفعال مشينة محذراً من عقوبة هذا الأمر حيث قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حديث نفيع بن الحارث”ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّل اللهُ تعالى لصاحبه العقوبةَ في الدنيا، مع ما يدَّخر له في الآخرةِ مثل البغيِ وقطيعةِ الرحمِ” (رواه الترمذي).
إلى متى يستمر هذا العبث؟ نحن بحاجة إلى وقفة حقيقية مع النفس، ومحاسبة جادة لمن يستغل الدين ويستنزف أموال المسلمين بطرق ملتوية.