نشر الفيديوهات المأساوية: بين حرية التعبير والأثر السلبي على المجتمع

د. حمدان محمد

في خضم الأحداث المؤلمة التي شهدتها مدينة الأقصر، تبرز قضية نشر الفيديوهات المتعلقة بالمآسي الإنسانية كظاهرة خطيرة تحمل أبعادًا متعددة. إن حادث الأقصر لم يكن فقط مأساة أصابت أهل المنطقة، بل أصبح أيضًا وقودًا لموجة من النقاشات والجدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد تداول مقاطع الفيديو المرتبطة بالحادث.

ومما لا شك أن حرية التعبير حق مكفول، لكن هذه الحرية تأتي مصحوبة بمسؤولية اجتماعية وأخلاقية. فحينما تتحول المشاهد المؤلمة إلى مادة تُعرض أمام الملايين، تتبدد خصوصية المصابين وأسرهم، ويصبح الألم العام مادة للاستغلال أو الإثارة. وقد حثّ الإسلام على ستر عيوب الآخرين والابتعاد عن كل ما يسبب لهم الحرج، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة” (رواه مسلم).

فنشر مثل هذه الفيديوهات لا يؤذي فقط الضحايا، بل يمتد أثره إلى المجتمع بأسره، مما يخلق حالة من الخوف والقلق العام. كما أن الأطفال الذين يشاهدون تلك المشاهد قد يتعرضون لصدمات نفسية، وهو أمر يضر بجيل المستقبل.

ومن ناحية أخرى، قد تؤدي هذه الفيديوهات إلى تعزيز اللامبالاة تجاه الكوارث، إذ تصبح المآسي مجرد صور معتادة لا تثير التعاطف المطلوب. وهذا عكس ما يدعونا إليه الدين الإسلامي من الشعور بالآخرين ومساعدتهم.

وإن الإعلام بمختلف وسائله مطالب بأداء دوره في نشر الوعي بدلًا من التركيز على المشاهد الصادمة. نحن بحاجة إلى تسليط الضوء على قصص النجاة، وجهود الإنقاذ، وكيفية تقديم العون. كذلك ينبغي علينا كأفراد الامتناع عن تداول هذه المقاطع والالتزام بالأخلاقيات الدينية والإنسانية وإن حادث الأقصر وما تبعه من تداول للفيديوهات المؤلمة يمثل درسًا لنا جميعًا حول ضرورة تحقيق التوازن بين حرية التعبير واحترام كرامة الإنسان. علينا أن نعود إلى تعاليم ديننا الحنيف، الذي يدعو إلى الستر والإحسان، وأن نتخذ من هذا الحادث فرصة لتعزيز الوعي بأهمية الرحمة في معالجة الكوارث.

أسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

نشر الفيديوهات المأساوية: بين حرية التعبير والأثر السلبي على المجتمع
Comments (0)
Add Comment