بسمة خالد
أخصائي علم النفس والإرشاد الأسري
كثيرًا ما تُثار نقاشات حول صحة العبارة الشهيرة: “فاقد الشيء لا يعطيه”، والتي تُستخدم أحيانًا لتفسير السلوكيات البشرية. لكن هل هي قاعدة مطلقة يمكن تطبيقها في كل الحالات؟ الحقيقة أن الأمر يتوقف على المعنى الذي نحمله لهذه العبارة وعلى طبيعة التجربة التي يمر بها الإنسان.
إذا كان المقصود بالمقولة أن من لا يمتلك شيئًا من الأساس لا يمكنه تقديمه للآخرين، فإن هذا الرأي يبدو منطقيًا؛ فالإنسان لا يستطيع منح ما ليس لديه. لكن إذا كان الحديث عن شخص حُرم من تجربة معينة، فإن الأمر يختلف تمامًا. فالحرمان يمكن أن يتحول إلى دافع قوي يدفع الإنسان لتعويض نقصه من خلال تقديم هذا الشيء للآخرين.
على سبيل المثال، من لم يحظَ بالعطف في طفولته قد يكون أقدر الناس على تقديمه لأبنائه، لأنه يشعر بمرارة الحرمان ويعرف جيدًا قيمة العطف. فالعطف صفة مغروسة في النفس البشرية، ولا تختفي لمجرد الحرمان منها.
التجارب السلبية ليست بالضرورة عائقًا أمام العطاء؛ بل قد تكون دافعًا قويًا له. الإنسان الذي فقد أحد والديه في طفولته، على سبيل المثال، قد يكون أكثر الناس حرصًا على منح أطفاله الحنان والرعاية. هذا لأن الشعور بالحرمان يولّد لديه تعاطفًا عميقًا، ورغبة في تعويض ما افتقده.
وفي حالات أخرى، من اضطر إلى ترك الدراسة بسبب الظروف الاقتصادية قد يبذل كل ما بوسعه لضمان حصول أبنائه على أفضل فرص التعليم، لأنه يرى في تحقيق أحلامهم تعويضًا عن أحلامه التي لم تتحقق.
الفرق الجوهري هنا هو أن الإنسان المحروم من تجربة معينة قد يكون أكثر وعيًا بأهميتها، وبالتالي أكثر قدرة على تقديمها للآخرين. أما إذا خلا القلب من صفة معينة، مثل الرحمة أو الشعور بالآخرين، فإن فاقدها لن يتمكن من منحها، لأنه ببساطة لا يمتلكها.
أخيرًا، عبارة “فاقد الشيء لا يعطيه” ليست قاعدة ثابتة، لكنها تخضع لظروف وتجارب كل إنسان. الحرمان يمكن أن يكون مصدرًا للقوة ودافعًا للعطاء. في عالم لا يخلو من الصعوبات، يمكن للإنسان أن يكون شعاع نور في حياة الآخرين، حتى لو كانت حياته مليئة بالظلام. فاقد الشيء، إذا امتلك الوعي والرغبة في التغيير، قد يتحول إلى أفضل من يمنح هذا الشيء، ليس فقط بوفرة، ولكن أيضًا بحب وإصرار.