المتمردة . الجزء الرابع

بقلم: د _ عيد علي

كان موعد اللقاء كأنه امتحان مصيري، شعرت أن كل ثانية تمر أشبه بدقائق، وكل دقيقة تبدو كأنها دهور. اخترت مكانًا هادئًا للقاء، بعيدًا عن الضجيج، علّني أتمكن من سماع كلماتها بوضوح وأفهم ما تخبئه لي.

وصلت قبل الموعد بساعة. جلست أراقب المكان، قلبي ينبض بسرعة غير معهودة، وعقلي يفيض بالتوقعات. ماذا ستقول؟ هل ستفتح لي باب الأمل، أم ستغلقه نهائيًا؟

وأخيرًا، وصلت. كانت تسير بخطوات واثقة، لكنها تحمل في عينيها ما يشبه الحيرة. جلست أمامي بصمت للحظات، وكأنها تبحث عن الكلمات المناسبة لتبدأ.

قالت بهدوء:

“أعلم أنني كنتُ دائمًا محور تساؤلاتك، وأنك تحمل في قلبك شيئًا لي. لكنني أريد أن أكون صادقة معك… ربما تأخرت في الحديث، وربما كنت غافلة عن مشاعرك. لقد كنتَ دائمًا قريبًا مني، حاميًا لي دون أن أطلب، وكم قدّرت ذلك فيك.”

توقفت لبرهة، ثم أضافت بصوتٍ مرتعش:

“لكن… هل يمكن للحب أن يولد من العرفان؟ هل يكفي أن أقدّرك وأحترمك لأبادلك ما تحمله لي؟”

كانت كلماتها كسكاكين تخترق صدري. شعرت أن العالم قد توقف للحظات. نظرت إليها بصمت، أحاول استيعاب ما تقوله، ثم أجبت:

“لا أطلب منكِ أن تحبيني لمجرد أنني أحبكِ. الحب لا يُفرض، ولا يُطلب بالإلحاح. لكنني فقط أردت أن تعرفي ما في قلبي، أن تكوني على دراية بأن هناك من يراكِ مختلفة، أن هناك من يحلم بأن تكوني جزءًا من حياته.”

نظرت إليَّ بعينين دامعتين، وقالت:

“وهل تعتقد أنني لم ألاحظ؟ كنت أعلم، لكنني خفت. خفت أن أظلمك معي، أن أعيش حبك لي دون أن أستطيع أن أبادلك الشعور نفسه. لم أكن أريد أن أكون سببًا في ألمك، لذلك فضلت الصمت.”

في تلك اللحظة، شعرت بمزيج من الألم والراحة. كان من الصعب سماع كلماتها، لكن صدقها أعطاني السلام.

أجبتها بابتسامة حزينة:

“شكراً لأنك كنتِ صادقة. ربما كنت أتمنى سماع شيء آخر، لكنني الآن أدرك أنكِ تستحقين أن تكوني مع شخصٍ يحبكِ ويبادلكِ الشعور ذاته. أنا سأظل أحترمكِ دائمًا، وسأحاول أن أجد طريقًا جديدًا لحياتي.”

وقفتُ وغادرتُ، تاركًا خلفي أحلامًا لم تكتمل، وذكرياتٍ ستظل محفورة في قلبي.

إلى اللقاء مع الجزء الخامس

المتمردة . الجزء الرابع
Comments (0)
Add Comment