بقلم: د _ عيد علي
مرت الأيام بعد ذلك اللقاء كأنها تتعمد اختباري، تذكرني في كل لحظة بأنني فقدت حلمًا كنت أعيش لأجله. حاولت أن أنشغل بالعمل، أن أهرب من كل شيء، لكن صورتها ظلت تحاصرني في كل زاوية. كنت أراها في كل شيء جميل، وكأن الحياة تأبى أن تدعني أنسى.
وذات يوم، بينما كنت أجلس في مكتبي أحاول ترتيب أوراقي، جاءني اتصال مفاجئ. نظرت إلى الشاشة، فإذا هو رقمها. ترددت للحظة قبل أن أجيب، وكأن قلبي لا يحتمل سماع صوتها مجددًا.
قالت بصوت بدا لي مختلفًا:
“هل يمكننا أن نتحدث؟ أحتاج لرؤيتك مرة أخرى.”
رغم كل شيء، لم أستطع أن أرفض. وافقت على اللقاء، لكن هذه المرة كان قلبي مثقلًا بالريبة والتساؤلات.
في الموعد المحدد، كنت هناك، أنتظرها بنفس المكان الذي التقينا فيه آخر مرة. وصلتْ وهي تحمل في عينيها ما يشبه الصراع الداخلي، كأنها تعيش معركة لا تعرف كيف تخرج منها.
بدأت حديثها دون مقدمات:
“أعلم أنني ربما جرحتك في لقائنا الأخير، وأعلم أنني قد أكون تسببت لك في ألمٍ لم أقصده، لكن بعد أن عدت إلى نفسي وفكرت مليًا، أدركت شيئًا كنت أجهله… أنني أخشى الحب. أخشى أن أقترب من أحدهم فيسلبني حريتي أو يخذلني. ولكنك مختلف، كنت دائمًا تحيطني بحنانك دون أن تطلب شيئًا، ولم أكن أدرك كم يعني ذلك لي.”
نظرت إليها بدهشة، وأنا أبحث في عينيها عن حقيقة كلماتها. هل ما أسمعه الآن هو ما انتظرته طوال تلك الشهور؟
تابعت قائلة:
“لا أعدك أنني أستطيع أن أحبك كما تحبني، لكنني أعدك أن أحاول، أن أعطي نفسي فرصة لأعرفك أكثر، لأكتشف ما الذي يجعل قلبك ينبض بهذه القوة لي.”
لم أستطع منع نفسي من الابتسام، رغم أنني كنت أخشى أن تكون هذه فرصة مؤقتة تنتهي بخيبة جديدة. أجبتها بهدوء:
“أنا لا أطلب منكِ إلا الصدق، وإذا شعرتِ يومًا أن هذا الطريق لا يناسبكِ، فلا تترددي في أن تخبريني. لكنني سأظل هنا، أحاول أن أكون الشخص الذي تستحقينه.”
كانت تلك بداية جديدة، مليئة بالأمل والخوف معًا. لم أكن أعلم إلى أين سيقودنا هذا الطريق، لكنني كنت على استعداد للمحاولة، لأن الحب أحيانًا لا يتعلق بالوصول إلى النهاية، بل بالرحلة ذاتها.
إلى اللقاء مع الجزء السادس