سوريا تصعد إلى الهاوية

 

نهاد عادل 

بعد سقوط نظام بشار الأسد وبعد استيلاء المعارضة المسلحة وهى خليط من داعش والقاعدة على مقاليد الأمور في سوريا يجعلني أقلق من ما فعلته التنظيمات الإرهابية بـ إختلاف مسمياتها لأنه ليس الهدف من ورائه إسقاط نظام الأسد بل إسقاط سوريا ومن يقف وراء هذه التنظيمات و يمولها و يمهد لها الطريق لا يفعل ذلك إلا لأطماعه في أراضي الدولة السورية فالمشهد الضبابي الذي تعيشه سوريا الشقيقة الآن يُدمي العيون ويعتصر القلوب فرغم أن هناك مَن هللوا وفرحوا في البداية لسقوط نظام بشار الأسد إلا أن ما جرى وما تكشَّف عنه بعد ذلك يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن سوريا سوف تدخل في نفق مظلم وأنها تسير إلى المجهول و هي على وشك الصعود للهاوية فالتنظيمات المسلحة التى أمسكت بالحكم بعد سقوط الأسد هى تنظيمات عديدة ومنها المتنافرة وإذا كانت قد توافقت وتوحدت للتخلص من حكم الأسد فإن تقاسم السلطة قد يثير خلافات بينها من المحتمل استخدام السلاح فى تسويتها فليس متوقعًا ان تلقى دعوة إلقاء تلك المنظمات سلاحها استجابة منها كلها وهذا يهدد بنشوب صدامات مسلحة بينها قد تتحول إلى حرب أهلية خاصة وأن بعض هذه التنظيمات ذات طابع طائفى وبعضها يلقى رعاية من دول خارجية مثلما هو الحال بالنسبة لرعاية تركيا لهيئة تحرير الشام ورعاية أمريكا لتنظيم قسد الكردى المسلح وما سوف يجري على أرض سوريا يؤكد لنا جميعا ان السيناريو القادم هو الأسوأ وأن الشعب السوري هو مَن سيدفع الثمن وأن مقولة «نار بشار ولا جنة الجولاني» قادمة لا محالة.

أنا هنا لا أدافع عن بشار الأسد لكني أدافع فقط عن الدولة السورية ووحدة أراضيها وها هو العدو الصهيوني ومجرم الحرب «نتنياهو» يستغل حالةَ السيولة التي تعيشها سوريا بسقوط بشار الأسد ليدخل إلى هضبة الجولان ويحتل 240 كيلومترًا مربعًا من مساحتها فضلاً عن احتلال عدد من القرى السورية ورفع علم إسرائيل عليها.

ليس هذا فقط بل قام العدو الصهيوني بضرب كل المطارات ومراكز القيادة ومخازن الأسلحة عبر أكثر من 500 غارة جوية مركزة قضى بها تمامًا على الجيش السوري العدو فعل ذلك علنًا بل إن الإعلام الصهيوني هلل لذلك وتباهى بتقويض كل قدرات الجيش السوري في كل وسائل إعلامه.

والغريب والعجيب أن ما حدث لم يحرك ساكنًا لـ « الجولاني وعصابته»، فلم يتم الرد على ما جرى ويجري بطلقة واحدة ولا حتى مجرد التعليق بإصدار بيان واحد!!، ولم يتم الرد على احتلال إسرائيل للأراضي السورية لأن عصابة « الجولاني» مهمومة فقط بالانتقام من النظام السابق والتشفي فيه.

و نجد هيئة تحرير الشام لم تتحدث وزعيمها الجيلانى الذى انتحل اسم الشرع عن هوية الدولة التى تبغى إقامتها بديلًا لدولة الأسد.. ورغم الإسراع بتشكيل حكومة لتدير البلاد لنحو ثلاثة أشهر كما قيل فإنه لم يعلن أن ثمة انتخابات برلمانية ورئاسية سوف تجرى قبل انتهاء الثلاثة أشهر أو حتى بعدها مباشرة لتشكيل مؤسسات الدولة السورية وهو ما يفتح الباب لاستنتاج بأن المرحلة الانتقالية مرشحة للتمديد.. ويقترن بذلك أيضًا أن هوية الدولة التى تنوى هيئة تحرير الشام إقامتها فى سوريا ليس معروفًا أنها دولة لجميع أبناء الشعب السورى أو الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة وليست دولة دينية لكن بعض التصرفات الآن مثل تركيز التليفزيون السورى على الأناشيد الدينية ووقف إذاعة الأغانى العاطفية يوضح لنا ما سوف تكون عليه الهوية السورية كذلك أن هناك دولًا إقليمية وعالمية لها تواجد لقوات عسكرية تابعة لها على أرض سوريا وهى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا وأيضًا إسرائيل وهذه الدول تتقاطع وتتضارب مصالحها.. وإذا كان مثلًا روسيا حصلت على تطمينات من الحكام الجدد تتعلق بقواعدها العسكرية فى سوريا فليس من المؤكد أن هؤلاء الحكام لن يطالبوها مستقبلًا بفك وإغلاق هذه القواعد بعد أن يثبتوا إقدامهم فى السلطة!. وأيضاً تركيا التى ترعى هيئة تحرير الشام تريد تحجيم تنظيم قسد الكردى الذى يدعمه الأمريكان ولا ينفر من صداقة إسرائيل ! وهكذا ثمة احتمال أن يتمخض هذا التضارب فى المصالح بين هذه الدول التى تتواجد قواتها على الأراضى السورية عن مبارزات بالسلاح بين التنظيمات التى ترعاها هذه الدول.

ويضاف إلى هذا كله أنه مازال هناك تواجد لتنظيم داعش الإرهابى على الأراضى السورية وهو يمكن أن يستفيد مثل بقية التنظيمات المسلحة الأخرى من مرحلة التحول القلقة التى تعيشها سوريا الآن، خاصة وأنه سيجد مناخًا مشوبًا بالتطرف الدينى تفرضه الخلفية التاريخية لعدد من التنظيمات المسلحة وفى مقدمتها تنظيم هيئة تحرير الشام يوفر له فرصا لتجنيد المزيد من الشباب السورى.. وقد استثمر الإسرائيليون بالفعل هذا التواجد فى تبرير عدوانهم الفظ على الأراضى السورية حينما قالوا إنهم يحمون أنفسهم من خطر وقوع الأسلحة الكيمائية السورية فى يد تنظيم داعش!.

اني أرى عده مشاهد تؤكد ضياع الهاوية السورية منها:

المشهد الأول يتعلق بظهور رئيس الحكومة السورية المؤقتة في وسائل الإعلام وهو يضع في خلفية مكتبه علم « جبهة تحرير الشام الإرهابية» بجانب علم الجمهورية العربية السورية وهو مشهد خطير يؤكد أن المجموعات الإرهابية المسلحة التي تحكم سوريا الآن ستقودها إلي المجهول وأن الحرب الأهلية ربما لن تكون بعيدة خاصةً وأن العصابة الحاكمة لوحت بأنها لن تسمح بدولة مدنية بل ستعيد دولة الخلافة وأن التعصب والتطرف هو مَن سيحكم وأن المرأة السورية سوف تلزم بيتها وسيتم حرمانها من أي مناصب قيادية.. في إشارة إلى العودة لعصور الجاهلية.

المشهد الثاني الأكثر دلالة يتعلق بالمجموعات الإرهابية المسلحة التي جابت شوارع دمشق وهي تهلل وتردد « الله أكبر» مرتديةً ملابس أشبه بملابس عناصر «طالبان الإرهابية».. في إشارة إلى أن القادم أسوأ، وأن مستقبل سوريا مظلم، وأن الشعب السوري سوف يدفع الثمن.

أما المشهد الثالث فيتعلق ببعض الإرهابيين من عصابة «الجولاني» يخطبون في الآلاف من السوريين «المخدوعين» بأحد الميادين الكبيرة بالعاصمة دمشق وكانوا يرددون أنهم سوف يحاسبون نظام بشار الأسد وكل مَن تورطت يده بالدماء، دون الإشارة إلى أن المتهمين ستتم إحالتهم للقضاء لمحاسبتهم بالقانون، وهي دلالة واضحة وقاطعة على أن الأيام القادمة سوف تشهد غياب دولة القانون، وأن هذه العصابة الحاكمة هي مَن ستتولى المحاسبة بحبس وإعدام كل مَن يختلف معها أو يخالفها الرأي.

المشهد الرابع يتعلق ببعض أنصار « الجولاني» يزورون قبر الرئيس الراحل حافظ الأسد، حيث يظهرون في المشهد الذي تمت إذاعته وهم يصفقون على القبر ويركلونه بالأحذية مع الدعاء عليه وسبِّه بأبشع العبارات، وهو مشهد يعكس لغة التشفي والحقد والتي لا تنم إلا عن نذالة وصفاقة من فصيل إرهابي سيقود الدولة السورية إلى المجهول وسيُدخلها في «آتون حرب أهلية» قادمة لا محالة ربما تستمر لسنوات.

والخلاصة أننا أمام مصير مجهول ينتظر سوريا الحبيبة يقوده « الجولاني وعصابته» والذي لن تفلح كل محاولات تجميل صورته من جانب عصابة تحرير الشام وبعض العملاء في الخارج لأن الحقيقة والواقع يؤكدان أنه إرهابي وسفاح وقاتل و سوف يصعد بالدولة السورية إلى الهاوية

نحن في النهاية اتمنى السلامة لسوريا الشقيقة ولشعبها العظيم الذي يستحق بالفعل حياةً كريمةً تعوضه عن سنوات العذاب التي عاشها على مدار سنوات لكن للأسف المشهد الحالي الذي يأتينا من دمشق لا ينبئ بأي خير قادم لكِ الله يا سوريا

سوريا تصعد إلى الهاوية
Comments (0)
Add Comment