غزه في نصر هذا وعد الله

محمد غريب الشهاوى

لم أجد أصدق من وصف القرآن لأحداث غزة هذه التي نرقبها بكل ألم وحسرة وحزن؛ إنه يحدثنا عنها كما لو كان يتنزل على المجاهدين فيها اليوم، كان ذلك في سورة آل عمران، حيث أخبر:

– عن مصاب المؤمنين وجراحاتهم وثباتهم وتوكلهم على الله وصدقهم، ومقام الشهداء المجاهدين عند الله تعالى، الذين استجابوا لله مع ما بهم من قرح، وما نزل بهم من تخويف.

– ثم لم يدع ذكر قبح قول وفعل اليهود.. كل أطراف الصراع في معركة غزة ذكروا.

فأما المؤمنون فما أصابهم من أذى بكل أصنافه، من الجراحات إلى هدم البيوت، حتى ذهاب أنفسهم وبنيهم وأهليهم، إنما هو بإذن الله تعالى، ولو شاء لحماهم من كل ذلك، وهو لا يعجزه شيء، لكنه تعالى يريد أن يصطفي ويجتبي من عباده، ويقيم الدليل على إيمانهم وصدقهم، ليتميز الصابرون المتقون المؤمنون المجاهدون، من المنقلبين الذين يعبدون الله على حرف، فإن أصابهم خير اطمأنوا به، وإن أصابتهم فتنة انقلبوا على وجوههم.

وأكبر ما ينتظر المؤمنين في هذه المعارك هو قتلهم شهداء، وهو أعز ما يكون من مقام؛ مقام يُعتز به، فليس من مات حتف أنفه، على فراشه أو في حادث مركبة، أو مات على ذنب، كمن مات يبتغي رضوان الله، يدافع عن عزة الإسلام والأمة. وهو مقام الفرح والاستبشار لمن أقيم فيه، فالشهيد ما أن يستشهد حتى يكرمه الله بما يتمنى به لو رجع، فأخبر عن حقيقة ما يلقى المجاهد إذا قتل. ذلك الموت الذي يخشاه كل إنسان، فيحزنه ويخيفه، يكون على المجاهد عكس ذلك؛ فرحا واستبشارا.. كانوا من قبل يسمعون عن وعد الله وثوابه سماعا، وها هم يرونه عيانا، ويتحسسونه بجوارحهم.

ويكذبون على أنفسهم والأمة بادعاء أنه لن يكون قتال من قبل العدو، لتكون النتيجة تسليط العدو، وتمكينه من بلاد المسلمين ودينهم وأعراضهم وأخلاقهم. يقول الله تعالى عن أحداث معركة أحد:

{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ{166} وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ{167} الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{168} وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ{169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

غزه في نصر هذا وعد الله
Comments (0)
Add Comment