الغرور: بين المعاناة والعبرة في كارثة كاليفورنيا

د. حمدان محمد

الغرور هو أحد الأمراض النفسية التي تفسد قلب الإنسان، وتغلف عقله بغطاء من الكبرياء، مما يدفعه إلى التعالي على الآخرين، واعتقاد أنه متفوق عليهم في كل شيء. هذا الشعور بالمقام الرفيع سرعان ما يتحول إلى وهم خطير، حيث يفقد الإنسان الشعور بالواقع، ويعتقد أن كل شيء تحت سيطرته. وعندما يأتي الاختبار الحاسم، يظهر أن هذه الأوهام سرعان ما تنهار ومن من أبرز الأمثلة على هذا التحول، ما شهدناه في ولاية كاليفورنيا مؤخرًا، من كارثة طبيعية مدمرة أظهرت كيف أن الغرور بالتفوق على الطبيعة، والتفاخر بالقوة البشرية، قد يؤدي إلى نتائج كارثية. فقد غرّت بعض الأنظمة الحديثة وأدوات التكنولوجيا البشر، فظنوا أنهم قادرون على التحكم في كل شيء، وأنهم في مأمن من الكوارث الطبيعية. ولكن الكارثة، التي وقعت فجأة، كانت تذكيرًا قويًا بأن الإنسان مهما بلغ من قوة، فإن هناك قوى أعلى منه قد تطيح بكل ما بناه في لحظة.

فالغرور في هذه الحالة لا يعني فقط التفاخر بالقوة والقدرة على التحكم في الطبيعة، بل يمتد ليشمل الغفلة عن التحضير للمستقبل، وعدم الاستعداد للأوقات الصعبة. فالتكنولوجيا والمال وحدهما لا يمكنهما تجنب الأزمات أو تفاديها. إن مثل هذه الكوارث تظهر هشاشة الإنسان أمام قدرة الله، وتوضح أنه مهما تقدمت العلوم، تظل هناك أمور خارجة عن إرادة البشر فالذي يأخذه الكبر والغرور فليتعظ وليقرأ قول الله تعالى في كتابه العزيز: “إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُختَالًا فَخُورًا” (النساء: 36). تظهر هذه الآية تحذيرًا صريحًا من الغرور والتفاخر بالمكانة أو المال. إن الله سبحانه وتعالى لا يحب من يتفاخر ويعيش في وهم القدرة المطلقة

وقال النبي صلى الله عليه وسلمكما في صحيح الارواء من حديث أبي هريرة: “مَنْ تواضعَ للهِ رفَعَهُ اللهُ”

هذا الحديث يُظهر بوضوح العلاقة بين التواضع والرفعة من الله سبحانه وتعالى، في حين أن التكبر يؤدي إلى انحطاط الإنسان في نظر الله

وإن هذه الحوادث الطبيعية المدمرة تحمل في طياتها دروسًا عظيمة. فهي تذكرنا أن الدنيا دار اختبار، وأن الغرور ليس إلا سببًا من أسباب الهلاك. فلنحذر من العيش في وهم القوة والسيطرة على كل شيء وأن التواضع هو المفتاح للسلام الداخلي، وهو السبيل لتحقيق النجاح الحقيقي فى الدنيا والآخرة وانظر إلى الي كتاب الله عز وجل: “إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ” (الزمر: 75). هذه الآية تؤكد على أن المؤمنين الحق هم الذين يتواضعون لله، ويخضعون له خشية وطاعة، ولا يظنون أنهم فوق منطق الله أو فوق قدرة الله.

إن ما يحدث الآن من انتقال الحرائق من منطقة إلى أخرى في كاليفورنيا يحمل في طياته عبرة عظيمة. فكما تنتقل النيران من مكان لآخر بسرعة، كذلك يمكن أن يتنقل تأثير الغرور والتفاخر بين الناس، ليصل إلى نقاط مختلفة من المجتمع. كما أن النيران لا تفرق بين قوي وضعيف، فإن الغرور لا يفرق بين غني وفقير، بل يدمر الجميع دون رحمة. ومثلما يمكن للحرائق أن تندلع في أي مكان، فإن الغرور قد يظهر فجأة في قلب الإنسان فيخرب حياته وحياة من حوله.

وما حدث في كاليفورنيا هو تذكير قاسي لنا أن الغرور بالكفاءة والقدرة لا يعني أبدًا أمانًا من القدر. فالعالم الذي نعيش فيه مليء بالمتغيرات التي تتجاوز أحيانًا حدود العلم والبشرية. على الإنسان أن يتذكر أن التوكل على الله والتواضع هما الأساس لتحقيق النجاح، وأن الكبرياء لا يمكن أن يقاوم عواقب قدر الله.

الغرور: بين المعاناة والعبرة في كارثة كاليفورنيا
Comments (0)
Add Comment