كرسى في الكلوب

بقلم: أحمد خالد سالم

نسرد لكم بعض من حياة/ السيد درويش

السيد درويش: فنان الشعب وباعث النهضة الموسيقية

 

ولد السيد درويش البحر في 17 مارس 1892 بمدينة الإسكندرية، إبان حكم الدولة العثمانية. كان سيد درويش من أبرز مجددي الموسيقى العربية في مصر والوطن العربي، وحمل عن جدارة لقب “فنان الشعب”، نظرًا لتأثيره العميق في الموسيقى والغناء. ورغم أن حياته لم تدم أكثر من 31 عامًا، حيث وافته المنية في 15 سبتمبر 1923، فإن إبداعه الموسيقي ما زال حاضرًا ومؤثرًا في أجيال متعاقبة.

 

البدايات الفنية

 

كانت بدايات سيد درويش الفنية متأثرة بألحان كبار المشايخ مثل سلامة حجازي وحسن الأزهري. التحق بالمعهد الديني في الإسكندرية عام 1905، وبدأ مسيرته بالغناء في المقاهي الشعبية. لكن نقطة التحول الأبرز كانت عندما اكتشفه الأخوان أمين وسليم عطا الله أثناء عمله كعامل بناء، حيث كان يغني أثناء العمل بصوت جذب انتباه كل من حوله. اصطحبه الأخوان في رحلة إلى الشام عام 1908، حيث تعلم أصول العزف على العود والنوتة الموسيقية، مما كان البداية الفعلية لانطلاقته الفنية.

 

عاد سيد درويش إلى مصر عام 1912 وقدم أولى أدواره “يا فؤادي ليه بتعشق”. وفي عام 1917، انتقل إلى القاهرة، حيث لمع نجمه وأصبح أحد أبرز ملحني الفرق المسرحية الكبرى، مثل فرقة نجيب الريحاني، جورج أبيض، وعلي الكسار.

 

ثورة موسيقية فريدة

 

ساهم سيد درويش في إحداث ثورة موسيقية حقيقية في مصر. أثناء ثورة 1919، قدم أغنية “قوم يا مصري”، التي أصبحت رمزًا وطنيًا للثورة. كما أدخل لأول مرة الغناء البوليفوني في أعماله الموسيقية، مثل أوبريت “العشرة الطيبة” و”شهرزاد”، مما جعله رائدًا في تحديث الموسيقى العربية. قدم في حياته القصيرة عددًا هائلًا من الأعمال، شملت عشرات الأدوار، أربعين موشحًا، مائة طقطوقة، و30 مسرحية غنائية وأوبريت.

 

الإلهام والحب في ألحانه

 

شكلت التجارب الشخصية العاطفية مصدر إلهام كبير لسيد درويش. أغنية “زوروني كل سنة مرة” كانت مستوحاة من عبارة قالتها له امرأة أحبها. ومن أبرز القصص، حبه لامرأة تدعى “جليلة”، التي كانت سببًا في تأليف العديد من ألحانه المميزة. لم تكن ألحانه مجرد أغانٍ عاطفية بل امتدت لتعكس نبض الشعب ومشاكله، مما جعله قريبًا من قلوب المصريين.

 

من عامل بناء إلى ملحن مصر الأول

 

لم تكن رحلة سيد درويش خالية من المصاعب. عندما قدم إلى القاهرة لأول مرة، لم يلقَ القبول الفوري من الجمهور، الذي كان معتادًا على أصوات مثل سلامة حجازي. لكن الأخير دعمه بشدة، وتنبأ له بمستقبل باهر. جاءت نقطة التحول عندما لحن رواية “فيروز شاه” لفرقة جورج أبيض، مما جعله مطلوبًا من جميع الفرق المسرحية.

 

إرث خالد

 

ظل إرث سيد درويش خالدًا حتى بعد وفاته. ألحانه، التي كانت تعكس روح الشعب المصري وتطلعاته، ما زالت تُغنى حتى اليوم. استطاع سيد درويش أن يثبت أن الفن الحقيقي يمكنه أن يتجاوز الزمن، ليبقى شاهدًا على العبقرية والإبداع.

 

إنه فنان الشعب الذي لم يمت صوته ولا ألحانه، وسيبقى خالداً في وجدان مصر والوطن العربي.

كرسى فى الكلوب
Comments (0)
Add Comment