ظاهرة غريبة تضرب المجتمعات العربية: بين الأصالة والاغتراب

بقلم /احمد محي

تفاقمت في السنوات الأخيرة ظاهرة غريبة أطلقت عليها اسم “غربنة المجتمعات العربية”. وقد أصبحت المجتمعات العربية اليوم وكأنها تتألف من مجتمعين منفصلين وغريبين عن بعضهما البعض. ففي كل بلد عربي تقريبًا، يظهر هذا التباين بوضوح. على سبيل المثال، نجد في مصر تداولا للفرق بين “مصر” و”Egypt”، وكذلك الحال في الأردن والسعودية.
الأمر لم يتوقف عند مجرد استخدام الاسم الإنجليزي للإشارة إلى الطبقات الثرية في المجتمع، بل امتد ليشمل ظواهر أعمق وأكثر تعقيدًا.

ازدواجية الأسماء ودلالاتها

نرى اليوم في المحافظات العربية ما يعكس هذا الانقسام الثقافي؛ فمثلًا، الفرق بين الإسكندرية و”Alex” أصبح شائعًا، حيث يُستخدم الاسم العربي غالبًا للإشارة إلى الطبقة المتوسطة أو الفقيرة التي ما زالت تتمسك بلغتها العربية وعاداتها وتقاليدها الإسلامية. أما الاسم الإنجليزي، فيُستخدم للإشارة إلى فئة تتسم بالاختلاف، ليس فقط من الناحية المادية، بل حتى على مستوى الثقافة والسلوك.

هذه الفئة تتحدث بلغة مختلطة بين العربية والإنجليزية، وتتبنى أنماط حياة غريبة من ملابس وقصات شعر، وحتى طريقة الحديث، حيث يمزجون بين الكلمات العربية والإنجليزية بشكل ملفت، بل ويعيدون ترجمة الكلمات العربية إلى الإنجليزية وكأنهم يبتعدون عن جذورهم اللغوية.

اختلال الهوية وضياع القيم

أصبح ما يشغل هؤلاء الأفراد هو الاهتمام بالموضة ومتابعة آخر صيحات الغرب، دون مراعاة للقيم الدينية أو الثقافية. تجد بينهم من فقد خشونة الرجال العرب المعروفة، بل يظهر وكأنه فاقد الهوية، لا هو غربي بالكامل ولا هو عربي أصيل.
لقد تبنوا سلبيات الغرب وتخلوا عن إيجابياته، وفي الوقت ذاته تنصلوا من أصالتهم وعروبتهم، مما أدى إلى فساد مجتمعهم وتأثيرهم السلبي على المحيطين بهم.

من يتحمل المسؤولية؟

السؤال الذي يطرح نفسه: من يتحمل مسؤولية هذا الانحراف الثقافي؟

هل هو الجيل المربي لهذا الجيل؟

أم أن الزمن بتحدياته ومتغيراته هو السبب؟

أم أن المال ووسائل التواصل الاجتماعي والترندات الغربية هي التي ساهمت في هذا الانحدار؟

ما لا شك فيه أن هذا الجيل يُشكل خطرًا على المستقبل، لأنه فقد الصلابة والمسؤولية، وأصبح فاقدًا للهدف والرؤية التي تتماشى مع حضارتنا العربية والإسلامية.تكملة المقال

وإذا تولى هذا الجيل القيادة في المستقبل دون تصحيح المسار، فقد يساق بالمجتمع نحو التفاهة والضياع.

نحو الحلول

المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الآباء الذين اعتقدوا أن إدخال أطفالهم إلى مدارس دولية وتعليمهم اللغة الإنجليزية منذ الصغر يمنحهم وعيًا وتفوقًا. ولكن، على العكس، هذا النظام ينتزع منهم هويتهم ويكسبهم التبعية والسطحية.

إن بناء أمة قوية يبدأ من أطفالها. يجب أن تكون هناك صحوة حقيقية تُعيد بناء المناهج والأفكار بحيث تحتضن هويتنا الإسلامية والعربية. بدلاً من تسليم أبنائنا للغرب ليقوم بتربيتهم وفق مصالحه، يجب أن نوفر لهم بيئة تعليمية وثقافية تدعم قيمنا الأصيلة وتُحصنهم من الانجراف وراء التيارات الهدامة.

إن استعادة الهوية ليست مستحيلة، لكنها تتطلب جهودًا واعية من الجميع، سواء كانوا آباءً، أو معلمين، أو قادة فكر ومجتمع.

ظاهرة غريبة تضرب المجتمعات العربية: بين الأصالة والاغتراب
Comments (0)
Add Comment