مدونة السعادة

بقلم/انتصار عمار

علامات استفهام كثيرة تدور حول محيط ذلك المكان المهجور الذي لا يسكنه أحد، والذي يوصد بابه بوجه من يقترب منه.

تُرى ماذا بالداخل؟ ولم صد هذا الباب بوجه الجميع؟ يتملكني فضول يحيط بدائرة فكري، يزيد في طرقه لباب عقلي، يثير حاسة البحث والتنقيب لدي.

ما سر هذا المكان المغلق دائمًا؟ ظل هذا السؤال يتردد بأعماق نفسي، يدفعني لأسير وراء فضولي، وأرافقه في ذلك الدرب الشائك.

فدنوت من هذا المكان، وداخلي خوف يشبه وميض المصباح الخافت حين تزداد شدة ضوئه، وكأن قلبي من شدة الخوف يتأرجح بين برق ورعد.

للوهلة الأولى كنت أشعر بذلك الخوف يسكن بين جنباتي، ويحاكي أنفاسي، ويسألها؛ بل وينتظر منها الإجابة، كي يهدأ بالًا.

خوف يداهم أفكاري، يطيح بقلاع كياني، يخترق كل أسواري المتآكلة الهشة أمام وحشه الكاسر.

دنوت منه شيئًا، فشيئًا، أُقدم قدمًا، وأؤخر أخرى، وكأن قدمي تخبر الأخرى؛ هيا نرجع! وكأنهما اتفقا علي، و تخلا كلاهما عني.

وقمت بقرع الباب مرات، ومرات، ولا أحد في صحراء هذا المكان يجيب ندائي، مكان أشبه ب”بدروم” حتى هممت بكسر الباب.

وإذ بي أجد صندوقًا جميلًا مزخرفًا، تفوح منه عطور الحياة، كطوق ياسمين يزين عنق الشام.

جذبني شكله جدًا، فهرولت مسرعةً لفتحه، وإذ بي أجد ما لا يمكن توقعه، ومن هول المفاجأة صمتت أنفاسي عن الحديث، و تلعثم لسان نبضات قلبي الذي يخفق عجبًا.

حاولت تدارك الأمر، لكني ما استطعت، فالمفاجأة كانت أقوى من أي توقع، فلقد رأيت داخل أرجاء الصندوق المزخرف صورًا لي، تكاد تحوي جميع مراحل عمري.

أخذت الدهشة تحلق في سماء فكري، وعلامات التعجب، والإستفهام تلتهم لب عقلي، من أتى بصوري هذه إلى هنا؟ ولم؟ وكيف؟

سؤال تطرحه علامات الدهشة بملامح وجهي، ولا تجد لها مجيبًا، وأخذت التفت يمينة، ويسارًا، حتى أجد أي شيء يصل بي إلى قارعة طريق الفهم.

وإذ بي أجد ما يزيد علامات التعجب داخلي أكثر، وأكثر، ويُلبسني رداء التساؤل، حينما وجدت لوحات فنية غاية في الجمال، والروعة تحمل صوري.

مرسومة على كل جدران المكان، وكأن فنانًا بارعًا قام برسمها، من هو؟ ومن الذي أتى بصوري إلى هنا؟

تساؤلات عدة تسبح في محيط أعماقي، ولا أجد لها جوابًا، جلست أتأمل جمال تلك اللوحات، وكيف لريشة فنان أن تبدع في الوصف لهذا الحد!

وأثناء تجولي في أرجاء هذا البدروم، وقعت عيناي على مكتبة كبيرة، تضم داخلها مجموعة كبيرة من كتب الأدب، وفنون الشعر.

وأمسكت بكتاب أسر انتباهي، وإذ ليس بكتاب، ولكنها مدونة مكتوب بها مذكرات شخصية.

فبدأت بمطالعة أولى صفحاتها، وإذ بأنفاسٍ تدنو مني، وعطر عبير يذيب صوت خوفي، ويد تمتد لتغلق صفحات تلك المدونة، وتحاول أن تنتزعها مني بشدة.

فاستدرت للخلف، حتى أرى من فعل هذا! ووجدت شابًا، لم أره من قبل، لا أعرفه، لكن يبدو عليه علامات الخجل، ترتسم على ملامح وجهه.

سألته عن هذا المكان؛ أهو مسكنه؟ فأجاب؛ لا
وإنما هو سردابي، عالمي الخاص الذي أتردد عليه من آن لآخر كلما اشتقت له، وكثيرًا ما أشتاق.

سألته؛ إذن أنت من قمت برسم تلك اللوحات؟ كذلك الصور التي بالصندوق؟ فحاول أن يستدير بوجهه عني خجلًا، لدرجة أن لحظ عينيه ظل يدور يمينًا، ويسارًا، كقرص شمس يدور حول كوكب الأرض.

سألته؛ من أنت؟ وما اسمك؟ و كيف تعرفني؟

ظل ستار الخجل ينسدل، ليكسو ملامح وجهه، ولم يجبني، كررت السؤال للمرة الثانية، ورجوته؛ أن يجيب.

فأجاب وحكى لي؛ أنه يعرفني منذ الطفولة، فلقد كان يسكن بنفس الحي الذي نسكن فيه، وأيضًا كان يدرس بنفس المدارس التي أدرس فيها.

وسألته؛ لم قمت برسمي في كل تلك اللوحات المعلقة على جدران الحوائط؟

فأدار وجهه عني، ونهض بالخروج قليلًا بالخارج، فهممت مسرعةً، لأمسك بتلك المدونة، وأقرأ ما بها قبل أن يعود.

وشوقي لقرائتها يحتضن صفحاتها المخطوطة، وبدأت أطالعها، وما إن قرأتها حتى شعرت بدوار، وكادت أنفاسي تجوب المكان.

وازدادت ضربات قلبي، ياله من شاعر برع في غزل ثوب الهوى وحياكته! ونسج منه أروع بيت قصيد.

وحلو تعبير، وحلو بيان عزف على أوتار القلب، سيموفينة الحياة، فأصابه جنون الهوى.

فعندما طالعت هذه المدونة، علمت من خلال أسطرها المخطوطة؛ أنه يحبني، حينها أدركت ما السر الدفين وراء صوري التي تملأ أرجاء الصندوق.

كذا اللوحات المرسومة، والمعلقة بجدران حوائط ذلك البدروم.

شخص غريب حقًا، أو كل هذا الحب أحبني، ولم يفكر ذات مرة أن يعترف لي به؟

كم أنا سعيدة أنني رغم خوفي حاولت استكشاف ذلك المكان المهجور، ذلك المكان الذي وجدت فيه سعادتي.

وكأنها طيور تحلق بسمائه، وأمل يُرسم في عيون الشمس، ويسكب أشعارًا، ثم عاد من الخارج، ووجدني أكمل قراءة تلك المدونة، وقبل أن يُمسك بها.

ويتنزعها من بين يدي كما المرة السابقة، سألته؛ لم تصارحني بحقيقة مشاعرك؟ لم كبت هذه المشاعر داخلك وحدك؟

لم لم تخبرني بها؟ وفجأة رعدٌ وبرقٌ أصاب عنق السماء، عجبًا لذلك القدر! كان سيحكي، لكنه صمت.

وطلب مني أن يقوم بتوصيلي إلى المنزل، قبل أن تشتد تقلبات الجو حدة، وإذ بالسماء تمطر، وأنا جواره، وكأنها أمطرت على قلبي زخات، فأينعته في الهوى بساتين.

Comments (0)
Add Comment