سوريا والرويبضة

د. فرج العادلي

في الفترة الأخيرة انقلبت مواقع التواصل رأسا على عقب، وتحول الملايين بمختلف أعمارهم ومستوايتهم العلمية والثقافية إلى محللين أمنيين، وسياسيين مخضرمين، وقضاة محنكين، يُنظِّرون ويحللون ويحكمون من خلف شاشات الهاتف النقال، ويجزمون في أمور دولية وقضايا إقليمية في غاية التعقيد والالتباس على ذوي العقول من الناس، ولست أدري أي عقل هذا الذي يحمل صاحبه ويدفعه للحديث في قضايا كبرى، وأمور عظمى، ومعلوماته في هذا الشأن صفر بلا مبالغة !

إنَّ تدخل الجماهير في هذه الأمواج العاتية، والظلمات الحالكة لأمر خطير ونذير شؤم، وهو يؤدي إلى فساد عريض أقله حدوث بلبلة مزعجة، وانقسام حاد، وانتشار للإشاعات وفوضى عارمة، وخصومات دائمة، وانشغال عن العمل والانتاج بما يضر ولا ينفع…

إن هذه الفترة من أخطر الفترات وأصعبها على الإطلاق، وتضع الأمة العربية على المحك، ولا تحتمل ما يحدث الآن من عموم الناس خاصة على مواقع التواصل ووسائل المواصلات وغيرها.

لذا كان يجب أن يختص كل إنسان بعمله، وما يحسنه، فمثلا:

المؤرخ يتحدث من وجهة نظر تاريخية؛ ليتعلم الناس من التاريخ، ويأتي لنا بالأسباب التي أدت إلى انهيار هذه الدول القوية وتفتتها ودخولها في الأنفاق المظلمة، والطرق الملتوية، وكيف نكون على وعي كبير مما يحاك بنا، لتجنب المزالق تلك.

فكما قال الحكماء: من جمع التاريخ في صدره فقد أضاف أعمارا إلى عمره.

والسياسي: يتحدث من وجهة نظر سياسية، وما سيترتب على هذه الأوضاع من مخاطر، أو مزايا؛ ليعي الناس الخير في الشر والشر في الخير فهي أمور لا شك ملتبسة وغامضة.

والصحفي: ينقل الأخبار بحيادية وأمانة، ويراعي الأمن والسلم الاجتماعي، إذ ليس كل ما يعرف يقال … ولسنا في مقام النص لهم قطعا.
وعالم الدين: الذي يُذكِّرُ الناس بما يجب عليهم في أيام الهرج والفتن، فكانت العادة قديما أنَّ العلماء يدعون للناس لالتزام الصمت إلا من ذكر الله تعالى، وقراءة القرآن الكريم والحديث الشريف وغيرهم من الخير، والابتعاد عن المحرمات… ليرزقنا الله تعالى الخير والسلامة والعافية، ويحفظ البلاد والعباد، ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، فالخير وغيره بيد الله تعالى كما هو معلوم.

وهكذا في بقية الأطياف والأصناف ..

ولا يسع الجماهير إلا الصمت كما سلف، والتعلم، والعمل الجاد، والإنتاج، والإتقان، ورعاية أسرهم، والعمل على رفعة وطنهم، وتحصينه ضدد الأخطار…

هذا من وجهة نظري المتواضعة والله أعلم.

أما دخول الناس في كل القضايا فهذا مخالف لمقتضى العقل، والعلم، بل والشرع الشريف فماذا بقي لنا من خير لنشتبك بما لا نعرف، ولا نعلم، ولا نحسن، بل ونعبر بذلك إلى دول أخرى ربما لم ندخلها في حياتنا.

فالعلماء في كل التخصصات يرون الفتن وهي مقبلة، والعوام لا يرون الفتن إلا وهي مدبرة، أي بعد فوات الآوان، وقد رأينا هذا في ما مضى من أحداث، فهل نعتبر !؟
اللهم سلم سلم.

سوريا والرويبضة
Comments (0)
Add Comment