البقاء أم العاطفة؟ كيف يختار الدماغ بين الحب والجوع؟

د. إيمان بشير ابوكبدة

في كثير من الأحيان نجد أنفسنا ممزقين بين رغبات مختلفة، الراحة أو المغامرة، العاطفة أو التطبيق العملي. وعلى نحو مماثل، تزن أدمغتنا باستمرار الغرائز والذكريات المتضاربة. ومن الأمثلة الرائعة على ذلك الطريقة التي يقرر بها الدماغ بين الحب والجوع، مما يوفر نظرة ثاقبة حول الكيفية التي تشكل بها العواطف والاحتياجات الأساسية الخيارات التي نتخذها.

عندما يقوم الدماغ بتنشيط الذكريات الجيدة والسيئة
يبدو أن الديدان الذكور لديها موهبة في التلاعب بالذكريات المتضاربة، لكن سلوكها في النهاية يتماشى مع تلك التي تقدم أكبر فائدة. تكشف دراسة جديدة من جامعة لندن، نشرت في مجلة علوم الأحياء، كيف يمكن لأدمغة الديدان تنشيط الذكريات الجيدة والسيئة في وقت واحد مثل ربط الرائحة بالتزاوج (الجيد) والجوع (السيئ).

وعلى الرغم من نشاط كلتا الذاكرتين، فإن الذاكرتين الأكثر فائدة فقط هي التي تشكل أفعالهما. وتسلط هذه الرؤية الرائعة الضوء على كيفية تحديد الدماغ لأولويات المعلومات، مما قد يفتح الأبواب لفهم حالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة، حيث يمكن للذكريات الخاملة أن تعطل المشاعر والسلوك.

كيف تؤثر الذكريات على السلوك
كان فهم كيفية تشكيل الذكريات للسلوك هو محور هذا البحث، حيث قالت الدكتورة أرانتزا باريوس، الباحثة الرئيسية من قسم علم الأحياء الخلوية والتنموية بجامعة كوليدج لندن: “لقد درسنا دماغ الدودة الذكر لتحديد الآليات الخلوية أو الجزيئية التي تحدد ما إذا كانت الذاكرة تؤثر على السلوك. ويكمن أحد الجوانب الحيوية للتعلم في كيفية قدرة أدمغتنا على التكيف مع المعلومات الجديدة واستبدال الارتباطات القديمة”.

وأضافت الدكتورة سوزانا كوليناس فيشر، الباحثة المشاركة في الدراسة: “إن دراسة العمليات الفكرية لدودة صغيرة تقدم رؤى مفاجئة حول الآليات الكامنة وراء أنماط تفكيرنا الأكثر تعقيدًا”.

التركيز على الدراسة
ركز البحث على ديدان كاينورهابديتيس ايليجانس
الذكور، وهي كائنات صغيرة يبلغ طولها 1 مم فقط، تستخدم عادةً في الدراسات العلمية. عمل الفريق على رائحة طبيعية جذابة للديدان، وقارنوها بكيفية تفاعل الشخص مع رائحة وجبة لذيذة.

ومن خلال سلسلة من التجارب، قام الباحثون بتغيير تفضيل الديدان للرائحة وتتبع سلوكها ونشاطها الدماغي. في البداية، قاموا بتدريب الديدان على ربط الرائحة بالجوع، وقمع غريزتها للتحرك نحوه. وقد تم عكس هذا التكييف المنفر في وقت لاحق من خلال تعريض الديدان لنفس الرائحة مقترنة بأنثى وتجربة جنسية، مما أدى إلى خلق ارتباط إيجابي جديد.

وقد حدد التحليل دائرة دماغية مسؤولة عن التعامل مع الارتباطات الجيدة والسيئة، حيث يعمل أحد النواقل العصبية كرسول رئيسي لتخزين هذه الذكريات. وعندما ربطت الديدان رائحة ما بالجوع والتزاوج، قامت أدمغتها بتنشيط كلتا الذكرتين، ولكن ارتباط التزاوج فقط هو الذي يملي سلوكها.

الحب مقابل الجوع
ومن المثير للاهتمام أن الديدان تحركت نحو الرائحة، مما يشير إلى أن مكافأة التزاوج تغلبت على رادع الجوع، على الرغم من أن الذكرى السلبية ظلت حاضرة في نشاط أدمغتها.

ولاحظت الدكتورة لورا مولينا جارسيا (علم الأحياء الخلوية والنمو بجامعة كوليدج لندن): “حتى في دماغ بسيط مثل دماغ الدودة الأسطوانية، يمكن للذكريات المتضاربة أن تتعايش، حيث تؤثر إحداها على السلوك بينما تظل الأخرى خاملة”. وأشارت أيضًا إلى أن هذه المرونة تساعد الحيوانات على التكيف مع المواقف الجديدة ويمكن أن توجه الأبحاث إلى معالجة الحالات المرتبطة بالذاكرة مثل اضطراب ما بعد الصدمة.
في الصراع بين البقاء والشغف، تظهر قدرة الدماغ على تقييم الذكريات المتضاربة قدرته المذهلة على التكيف. وهنا تذكرنا حتى أصغر المخلوقات بأن أدمغتنا مصممة ليس فقط للبقاء، بل وللبحث عن المعنى والتواصل.

البقاء أم العاطفة؟ كيف يختار الدماغ بين الحب والجوع؟
Comments (0)
Add Comment