بقلم – رانيا ضيف
نعيش حقبة مليئة بالأحداث التي يطغى فيها الظلم على العدل، تزلزل معتقداتنا وتعيد صياغة كل مفاهيمنا عن الحياة والناس، تكشف لنا خبايا النفس البشرية بالتجربة، لكن ظل سؤالا يراودني: كيف يستطيع الظالم أن يعيش مع كل هذا الحمل الثقيل من الظلم والقهر الذي مارسه على غيره؟ كيف يمكن للظالم أن تذوق جفونه النوم وهو يعلم حجم الأذى والخسة والضرر الذي ألحقهم بغيره؟
مع الوقت، أدركت أن الظالم يعيش إحساسًا عجيبًا بالمظلومية أكبر حتى من إحساس من ظلمهم. يبرر لنفسه أفعاله بأوهام يُقنع بها ذاته، مستعينًا بما يسمى في علم النفس بآليات الدفاع النفسية.
يبرر الظالم أفعاله بتلك الآليات:
التبرير: يقنع الظالم نفسه أن ما فعله كان ضروريًا أو واجبًا، فيقول مثلاً: “هو الذي بدأ، وكان ضروريا أن أحمي نفسي”.
وهو ما يسمى بخداع النفس والتي يسهل خداعها كما قال ديموستيني:
“من السهل أن نخدع أنفسنا، لأن الإنسان يميل إلى تصديق ما يرغب في تصديقه.”
الإسقاط: يقوم الشخص بنقل مشاعره أو دوافعه أو عيوبه الشخصية التي يرفض الاعتراف بها إلى إلصاقها بالآخرين، وكأنها صفات أو أفعال صادرة عنهم وليست جزءًا من ذاته!
الإنكار: أي يرفض الاعتراف بالضرر الذي تسبب به، ويُصور نفسه دائمًا كضحية.
التعود: مع الوقت، يفقد الإحساس بأثر أفعاله بسبب تكرارها، وكأنها أصبحت جزءًا من طبيعته وعاداته، وهذه أبشع عقوبة تناله ويعيش مُبتلى بها دون أن يدري!
هذه الآليات النفسية تخلق حجابًا كثيفًا يحجب عن الظالم رؤية الحقيقة. يظل أسيرًا لوهمه، مقنعًا نفسه بأنه كان يحمي حياته أو يحافظ على منصبه أو أسرته، مُسوغًا كل أنواع الطغيان والاعتداء.
لكن الحقيقة أن هذا النوع من التبرير هو ظلم مزدوج؛ ظلم للآخرين، وظلم للنفس التي تغرق أكثر في ظلامها.
ولذلك، الظالم غالبًا لا يدرك حقيقة ما فعله إلا في لحظة النهاية، حين يُسدل الستار على دوره في الحياة، أو حين يواجه الحقيقة في عالم آخر لا مجال فيه للأعذار. حينها فقط، يواجه الظالم أهوال ما ارتكبه، وهي لحظة تتكشف فيها الحقائق التي حاول جاهدًا إنكارها طوال حياته.
يقول علي بن أبي طالب:”الظالم يهرب من عدالة الأرض، لكنه لا يهرب من عدالة السماء.”