سامح بسيوني
الشمس تستعد للرحيل، الغيوم تسيطر على السماء ويحجب الححب، وبرق ورعد يأخذ القلوب والأبصار، فجعلت الأصابع في الأذان من شدة الخوف والأوهام.
الذعر يسيطر على نفسي ومخاوفي، فابتليت بشيء من الخوف؛ فسقط معه قلبي رعبًا وفزعًا، وتمنيت النجاة بنفسي، وفجأة وجدت أناسًا يقفون في ذعر أمام امرأة عجوز لم يتبق لها من العمر إلا القليل، المشيب يجتاح الرأس، العيون جاحظة والشر يخرج منها يلتئم الجميع، والصوت مفزع كرعد في ليلة مخيفة، تقف في ضوء خافت؛ لأن القمر استتر وراء الحجب خوفًا وفزعًا، والنوارس بصوتها الضجيج تكمل لوحة الفزع والخوف، فعاجلت الأمر بالفرار، وكأني حمر مستنفرة تفر من قسورة، فأعتصمت بقصر مهجور وظللت اتسابق فيه الزمن، وعقارب الساعة تطاردني مع تلك المرأة العجوز، فدخلت القصر فوجدت فيه من الشوك، التي أدمى قدمي، ودموع من عيني ملأت النهر خوفًا وشفقًا.
فنظرت خلفي فوجدت امرأة عجوزًا، كمارد فتمنيت أن تؤخذ بشهاب ثاقب؛ لينقذني ويفديني بنفسي وبروحي، ولكنه لا مفر ولا محالة من المفر والملجأ فعند الله كتب المقدر،ورفعت الأقلام وطويت الصحف.
وفجأة وجدت سورًا، فظننت بأن فيه النجاة والمخرج، ولكنه وجدته محاطًا بالجند وبالحراس وحوله المدفع فعلمت بأنها هي النهاية المحتومة، وكل إنسان لابد من حمله على ألة حدباء فيها من العبرة والتذكر، فتمنيت لو جاء سليمان ببساطه يحملني وينقذيني من تلك المرأة الملعونة قبيحة المنظر، شديدة الكآبة وسوء الخلقة كقدر مقدر،
ولكني كنت قليل العتاد والعدة، فلم أتسلح فيما مضي، وكنت جرف هار وشجرة لا أصل لها أجتثت من الأصل والمنبت، فتأكدت بأنها هي النهاية المحتومة، فحاولت الهروب مرات ومرات، ولكن الشهوات كانت محفوفة بي، فلم أستطع النجاة من أمري، وضيعت ما ضيعت من خير كثير، فليس لي اليوم هاهنا حميم ولا شفيع يطاع.
فجاء الوعد الحق، والتف الساق بالساق، وبلغت الروح الحلقوم، وعندئذ لم يوقظني من كابوسي غير صوت جدتي وهي تقول لي: استيقظ فقد أشرقت الشمس ولم تصل الفجر، فشرعت أقول ياليت قدمت لحياتي، وعدت إلى رشدي فهل من مدكر ومعتبر؟