كتب د/حمدان محمد
إن الله جل وعلا لما خلق العباد لم يخلقهم عبثاً بل جعل لهم غاية
ولم يتركهم سدا بل هداهم السبيل وحدد معالمه فلقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وكرمة غاية التكريم
فقال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } سوره الإسراء زينّه بالعقل وشرفه بالتكليف وجعله خليفة في الأرض واستعمره فيها وأكرمه بحمل رسالته التي تنسجم مع فطرته بل هي الفطرة بعينها لقوله سبحانه : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } سوره الروم. وقد حرص الإسلام على حفظ الإنسان من خلال المحافظة على المقاصد الكلية الخمسة :
وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال والتي عرفها العلماء من تتبع أحكام الشرع واستقرائها ومن هذه المصالح حفظ النفس من القتل
فإن قتل النفس عمداً من أكبر الكبائر وأشدها عقوبة عند الله والمراد بالنفس: أي البدن الذي فيه الروح
والمراد بالنفس هنا: نفس الآدمي
وهى أربع هي: نفس المؤمن، والذمي، والمعاهد، والمستأمن
والذمي لذمته والمعاهد لعهده والمستأمن لأمانه
والفرق بين الثلاثة ـ
الذمي، والمعاهد، والمستأمن
1ــ أن الذمي هو الذي بيننا وبينه ذمة أي: عهد على أن يقيم في بلادنا الحبيبة معصوماً مع بذل الجزية.
2ــ وأما المعاهد فهو يقيم في بلاده لكن بيننا وبينه عهداً أن لا يحاربنا ولا يعادينا بحرب
3ــ وأما المستأمن فهو طالب الأمان الذي ليس بيننا وبينه ذمة ولا عهد لكننا أمناه في وقت محدد كرجل حربي دخل إلينا بأمان للتجارة ونحوها أو ليفهم الإسلام وقد أعطاه ولي الأمر عقد أمان فلا يحل لأحد أن يخفر ذمته وأيضاً من يأتون إلينا لمصر في السياحه وغيرها
قال تعالى:وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إستجارك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ.
ــ ومن السنة: ما رواه أحمد أبو داود والنسائي وغيرهم من أصحاب السنن وصححه الألباني في الإرواء عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: أَتَيْنَا عَلِيًّا أَنَا وَجَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِيُّ، فَقُلْنَا: هَلْ مَعَكَ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ ؟ فَقَالَ: لَا، إِلَّا مَا فِي قِرَابِ سَيْفِي. فَأَخْرَجَ لَنَا مِنْهُ كِتَابًا فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: ” الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ إِلَّا مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
ـوعند بن ماجه عن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُرَدُّ عَلَى أَقْصَاهُمْ»
أي: أدنى شخص في المسلمين؛ فلو دخل الكافر في ذمته فكأنه دخل في ذمة المسلمين جميعاً وورد الوعيد الشديد من إشتداد غضب الله عز وجل على من خفر ذمة الله ورسوله والعياذ بالله
فالشاهد من هذا أنه لو اعتدى على مال ذمي فإن الذمي إذا دخل بلاد المسلمين وله ذمة المسلمين فدمه وماله وعرضه حرام له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين وفى لفظ عند الخرائطى في مساوئ الأخلاق والحاكم عن عائشة قالت ذمة المسلمين واحدة فإن جارت عليهم جائرة فلا تخفروها فإن لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم « ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ ، فَمَنْ أَخْفَر (اى: نقض العهد) مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ » أَيْ : لَا نَفْلٌ وَلَا فَرْضٌ عَلَى أَحَدِ تَفَاسِيرِهِ وقيل( لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ ) صرف يعني صرف العذاب عنه بدون مقابل ولا عدل أي بمقابل يعني لو طلب أن يُشفع له ويُرفع عنه العذاب لا يُقبل ولو طلب أن يُسلم فداءً لا يُقبل نسأل الله العافية .
وروى البخاري والنسائي وبن ماجه وصححه الألباني من حديث عمرو بن الحمق أن النبي قال إِذَا أَمَّنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافرا..
وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ..مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» و(المعاهد: من له عهد مع المسلمين إما بأمان من مسلم أو هدنة من حاكم أو عقد جزية)
وقد صح عن رسول الله عند مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ»، وايضا مانراه في الافلام والمسلسلات من أعمال البلطجه والعنف فمن يفعل شئ ممن يفعلونه فسيأخذون أوزارها أيضاً
وعند مسلم وأصحاب السنن عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ فَحَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَبْطَأَ أُنَاسٌ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ، فَأَعْطَاهَا، فَتَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ السُّرُورُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً؛ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَهَا وَأَجْرَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَمَثَلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»
ــ وهذا شأن كل مَن سَنّ ضلالة أو دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وقد بيّن الله سبحانه في كتابه بعد أنْ ذكر قصة ابني آدم أنَّ جريمة القتل عظيمة وأنَّ من قتل نفساً بغير نفس أو فساداً في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً يقول الله تعالى : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } سوره المائدة. وهذا الحكم وإنْ كان ظاهره خاصاً ببني إسرائيل إلا إنه عام فينا وفيهم فقد سأل سليمانُ بنُ علي الحسنَ عن هذه الآية فقال : (قلت للحسن : هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل فقال : والذي لا إله غيره كما كانت لبني إسرائيل وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دماءنا ) الطبري في ” تفسيره
ـودم المسلم هو أغلى الدماء التي يجب أنْ تُصانَ وأن يُغضَب لإراقتها
أخي المسلم الكريم قد بيّن الله سبحانه وتعالى حرمة المسلم ومكانته عند الله تعالى
فقد صحّ عن النَّبيِّ .عند أصحاب السنن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو..قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ..لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ.
لذلك جعل الله جل وعلا أول ما يقضي فيه يوم القيامه في حقوق العباد ستكون في الدماء.لذلك القتل أمره عظيم عند الله ولا يوجد وعيد في القرآن كله مثل وعيد القتل
قال تعالي..ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه و لعنه وأعد له عذابا عظيما.
فالدماء عظيمه عند الله وحرمتها كبيرة لذلك لابد أن نفيق ونرجع إلي الله جل وعلا فالأمر خطير وليس بالسهل اليسير.
نسأل الله أن يحفظنا وأن يغفر لنا ولأباءنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا وكل عزيز لدينا يارب..