د _ عيد علي
قصر الحمراء هو معلم أثري بارز وحصن قديم يمثل أحد أهم شواهد العمارة الإسلامية في الأندلس. بناه مؤسس دولة بني الأحمر، أبو عبد الله محمد الأول، المعروف بلقب “الغالب بالله”، بين عامي 1238 و1273م في مملكة غرناطة خلال النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي. يعتبر قصر الحمراء اليوم من أبرز الوجهات السياحية في إسبانيا، ويقع على بعد حوالي 430 كيلومترًا جنوب العاصمة مدريد. وقد استغرقت عملية بنائه ما يزيد عن 150 عامًا، مما يعكس الجهد والتفاني في بناء هذا الصرح التاريخي.
من السمات البارزة في العمارة الإسلامية التي تميز قصر الحمراء استخدام الزخارف الدقيقة بأنماط هندسية مبدعة، وكتابة الآيات القرآنية والأدعية والشعر العربي، حيث تحيطها نقوش من الجص الملون والبلاطات القيشانية ذات النقوش الهندسية. تزين هذه التفاصيل الأجزاء السفلى من الجدران، مما يضفي طابعًا مميزًا على القصر بأكمله.
في عام 2007، تم اختيار قصر الحمراء كواحد من كنوز إسبانيا الإثني عشر، بعد استفتاء شارك فيه أكثر من تسعة آلاف شخص، مما يدل على مكانته التاريخية والفنية العظيمة.
يقع القصر على هضبة تطل على الضفة اليسرى لنهر حدره، وتمتد هذه الهضبة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي بمساحة تقدر بحوالي 142,000 متر مربع، وبأبعاد تصل إلى 740 مترًا طولًا و205 أمتار عرضًا في أوسع نقاطها. من أبرز معالم القصر قصبة الحمراء، وهي حصن قوي يحتل موقعًا استراتيجيًا على الهضبة، في حين أن بقية الهضبة محاطة بسور أقل متانة يتخلله 13 برجًا كانت تستخدم لأغراض دفاعية. على مرتفع مجاور، توجد جنة العريف، وهي حديقة ملكية رائعة بنيت لملوك بني نصر وتضم أجنحة وأروقة محاطة بحدائق غنّاء تتخللها قنوات ونوافير ماء.
في بداية الأمر، كان قصر الحمراء جزءًا من “مدينة الحمراء” التي شملت قصر الحاكم والقلعة المحصنة. تطورت المدينة تدريجيًا لتصبح مركزًا ملكيًا حصينًا يضم دور الوزراء والحاشية. عندما دخل القائد محمد بن نصر، المعروف بلقب “الأحمر” نسبة للون لحيته، إلى غرناطة بعد سقوط الدولة الموحدية، استقبله أهل المدينة بالترحيب قائلين: “مرحبًا بالمنتصر”، فرد عليهم بقوله: “لا غالب اليوم إلا الله”، وهو الشعار الذي نقش على جدران القصر.
بنى محمد بن نصر سورًا محكمًا حول الهضبة، وأقام في داخله قصره الخاص، وسميت المنطقة بـ “قلعة الحمراء”، التي أصبحت فيما بعد مركزًا لحكم غرناطة. في أواخر القرن السابع الهجري، شيد السلطان محمد بن محمد بن الأحمر “الغالب بالله” الحصن الجديد والقصر الملكي، وتبعته أعمال توسعة وتطوير على يد ابنه محمد، الذي أسس مسجدًا بجوار القصر تحول لاحقًا إلى كنيسة سانتاماريا بعد سقوط الأندلس.
تم استكمال بناء قصر الحمراء في عهد يوسف الأول (1333-1353م) ومحمد الخامس (1353-1391م) اللذين أضافا لمسات نهائية وتطويرات كبيرة في القصر، منها كتابة الكثير من الأشعار والنقوش التي تزين جدرانه حتى اليوم.
أقسام قصر الحمراء ومعالمه الرئيسية
يتميز قصر الحمراء بتقسيماته المختلفة التي تعكس جمال ودقة العمارة الإسلامية وتفاصيلها المعقدة. من بين أبرز هذه الأقسام:
فناء الريحان الكبير: يتقدمه ساحة البركة المعروفة بـ “فناء الريحان”، وهي ساحة مستطيلة الشكل تتوسطها بركة مياه محاطة بأشجار الريحان. زينت زوايا الفناء بعبارات مثل: “النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي عبد الله أمير المؤمنين” والآية الكريمة: “وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم”. عند نهاية الفناء الجنوبية، يوجد باب عربي ضخم خلفه أطلال مبانٍ قديمة، بقي منها بعض النقوش مثل “لا غالب إلا الله” و”عزّ لمولانا السلطان أبي عبد الله الغني بالله”. يؤدي الباب الشمالي للفناء إلى بهو صغير يعرف بـ “بهو البركة”.
بهو السفراء (بهو قمارش): يتصل بفناء الريحان من الجهة الشمالية ويعد أكبر أبهاء قصر الحمراء. يبلغ ارتفاع قبته 23 مترًا، ويأخذ البهو شكلًا مستطيلًا بأبعاد 18 × 11 مترًا. كان هذا البهو مقرًا لمجلس العرش، ويعلوه “برج قمارش”.
فناء السرو: يؤدي “بهو البركة” إلى “فناء السرو” الذي يضم الحمامات الملكية. تلفت النظر فيها غرفة واسعة ذات زخارف متعددة الألوان يغلب فيها الذهبي والأزرق والأخضر. في منتصفها توجد نافورة ماء صغيرة، وتعرف الغرفة باسم “غرفة الانتظار”. أما الحمامات الملكية فتتميز بكوات على شكل ثريات تدخل منها الأنوار، وأرضيات مرصوفة بالرخام الأبيض.
قاعة الأختين: تقع إلى الشرق من “بهو البركة” وسميت بهذا الاسم لاحتوائها على قطعتين ضخمتين متطابقتين من الرخام في أرضيتها.
بهو السباع: يُعد من أشهر أجنحة القصر، بناه السلطان محمد الغني بالله في القرن الرابع عشر. يبلغ طول البهو 35 مترًا وعرضه 20 مترًا، ويحيط به أروقة ذات عقود ترتكز على 124 عمودًا من الرخام الأبيض، وفوقها أربع قباب مضلعة. تتوسط البهو “نافورة الأسود” الشهيرة المكونة من حوض رخامي مستدير يحملها اثنا عشر أسدًا تخرج المياه من أفواهها بتدفق منظم يعكس براعة الهندسة الهيدروليكية الإسلامية.
قاعة بني سراج: تقع في منتصف الجهة الجنوبية من بهو السباع وتتميز بقبّتها العالية ونوافذها التي يدخل منها النور، وأرضيتها الرخامية وحوض النافورة المتمركز فيها.
قاعة الملوك (قاعة العدل): توجد شرق بهو السباع وتزين سقفها صور ملوك غرناطة وعليهم العمائم، مع صور لفرسان ومشاهد صيد، مما يعكس الحياة الملكية في تلك الحقبة.
**منظرة اللندراخا:** تقع شمال بهو السباع وقاعة الأختين، واسمها يرجع إلى تفسير قد يكون محرفًا لـ “عين دار عائشة”، إذ كانت عائشة من ملكات غرناطة في القرن الرابع عشر.
متزين الملكة (Peinador de La Reina): هو جناح علوي صغير يقع في الجهة الشمالية للحمراء تحت برج متزين يعود تاريخه إلى عهد السلطان يوسف أبي الحجاج.
الزاوية والروضة: تقع في الجهة الغربية للقصر وكانت تضم زاوية أو مصلّى وقاعدة مئذنة، إضافة إلى خرائب الروضة التي كانت مدفنًا لملوك بني نصر.
يعد قصر الحمراء رمزًا لجمال وإبداع الحضارة الإسلامية في الأندلس، وقد مر عبر الزمن بتحولات كبيرة ليبقى شاهدًا على فترة مزدهرة من تاريخ المسلمين في إسبانيا.