سالي جابر
مع صباح هذا اليوم المشرق، حين انبثقت أشعة الشمس الذهبية، مضيئة نافذة شرفتي، فتحت لي آفاقًا جديدة في هذه الرحلة الرائعة، تذكرتكِ. تذكرت حين بكيتِ على جرحٍ أدمى قلبكِ، وظننتِ أنكِ ستنزفين للأبد، وأن هذا الألم لن يندمل. تذكرتِ حين استيقظتِ وقلبكِ منقبض، يتردد نبضه بين الزيادة والنقصان، تصلين بعيون باكية، ورأسٍ منكسة، تناجين خالقكِ بقلبٍ خائف على ذنبٍ ظننته سببًا في تعثركِ.
تذكرتُ أيضًا كيف مددتِ يدكِ بالعون لمن لا يستحق، وأعطيتِ قلبكِ لمن لم يُقدّر، ودفعتي ثمن ذلك من روحكِ. ظننتِ أن عالمكِ يضيق وأن الصراعات الداخلية تقترب من خنقكِ.
حبيبتي، يا أنا… بعد سنواتٍ من الأيام العصيبة، جئتُ لأخبركِ من المستقبل أن الخوف يمضي، وأن الجرح يلتئم، وأن الخير يعود إليكِ. أن الأمل لا يبلى، والله -عز وجل- يمنحكِ كل ما تستحقين. إن الدنيا زائلة، وكل خيرٍ عائد إليكِ كطائرٍ يعود إلى صغاره، حاملاً معه الرضا والسلام. ذلك القلب المنكسر جُبر بفضل تلك الدعوات الصادقة التي رفعتها يديكِ في لياليكِ الباردة.
عزيزتي، لمَ كنتِ خائفة ومتوهمةً أنكِ لم تنجزي شيئًا؟ أتذكرين ذلك اليوم الذي استيقظتِ فيه باكيةً وخائفة، لكنكِ مع ذلك استطعتِ العمل ومساعدة الآخرين؟ هذا في ذاته إنجاز. الإنجاز ليس فقط في الأمور العظيمة، بل في تمسككِ بالأمل وسط الضياع، في العمل وسط المرض، في التسامح وسط الغضب.
أتذكرين يا عزيزتي عندما كنتِ مريضة، وتكافحين ألمكِ، كيف عمل جسدكِ في انسجام؛ كيف قاومتِ وابتسمتِ، ووقفتِ بين يدي الله تشكرينه على النعم التي يغفل عنها العقل في زحمة الحياة؟ كان ذلك إنجازًا عظيمًا، شكرًا للمعروف، واعترافًا بالفضل.
أتيتكِ من المستقبل لأقول لكِ إن الماضي مضى، ولم يبقَ منه سوى ذكرياتكِ عنه؛ إن نظرتِ لها بتفاؤل، بات المستقبل سعيدًا، وإن تركتها تسوء، مرض المستقبل بداء الخوف والعجز. لكنكِ عالجتِ أفكاركِ، وتجاوزتِ آلامكِ، حتى صرتِ أنا… وكل القوة والفخر أبعثهما إليكِ، لأنني اليوم أهنيء قلبكِ على وصولنا معًا إلى هنا.
تفائلي، وانهضي، وابدئي بتلوين خارطة الطريق كما تحبين، اجعلي سماءكِ صافية، لا يعكر صفوها أحد. فنحن وحدنا من يحوّل الأفكار إلى رحلات طويلة نحو النجاح أو الفشل. أنتِ ناجحة، بل وتفوقتِ على ذاتكِ القديمة. أنا قوية وناجحة… وأنتِ، كيف ستفشلين؟