بقلم ـ مها سمير
تعدّ السرقة لدى الأطفال سلوكًا شائعًا قد يظهر في مرحلة الطفولة نتيجة عدة عوامل مثل البحث عن الاهتمام الرغبة في الحصول على شيء مفقود أو بسبب مشاكل سلوكية أو نفسية أخرى لتعديل هذا السلوك بطريقة فعّالة يجب على الأهل والمربين أن يتبعوا خطوات واضحة ومتدرجة تساعد الطفل على استيعاب خطأ السرقة والابتعاد عنها.
ويعتبر تعديل سلوك السرقة عند الأطفال أمرًا يتطلب الفهم الصبر والطرق التربوية الصحيحة السرقة لدى الأطفال غالبًا ما تكون سلوكًا ناتجًا عن حاجات غير ملباة أو نقص في المهارات الاجتماعية .
و يحتاج الطفل إلى تفهم وصبر من خلال التعامل بلطف تعزيز السلوكيات الجيدة وتوفير بيئة مليئة بالحب يمكن مساعدة الطفل على التخلص من هذا السلوك وتبني قيم الأمانة والاحترام في حياته.
وتعد السرقة عند الأطفال ظاهرة مقلقة ولها عدة أسباب مختلفة .
1. الاحتياج العاطفي: بعض الأطفال قد يلجؤون للسرقة لأنهم يشعرون بنقص عاطفي أو افتقاد للاهتمام فيحاولون جذب انتباه الكبار من خلال السلوك السلبي.
2. الفضول أو التجربة: قد يسرق الطفل لمجرد الفضول أو لرؤية ردة فعل الآخرين الأطفال غالباً يتعلمون من التجربة ويختبرون العالم حولهم بطرق متعددة.
3. تأثير الأصدقاء: بعض الأطفال يتأثرون بالأصدقاء أو المجموعات التي ينتمون إليها وقد يقومون بالسرقة كنوع من إثبات الذات أو محاولة الانتماء.
4. الرغبة في الحصول على شيء: إذا رغب الطفل في الحصول على شيء معين ولم يتمكن من شرائه فقد يلجأ للسرقة بدافع تحقيق رغباته.
5. التقليد: قد يقلد الطفل أحداً شاهده يسرق أو يتصرف بسلوك غير أخلاقي خاصة إذا كان من الكبار مثل الأهل أو الأقارب أو حتى في البرامج التلفزيونية.
6. نقص الإحساس بالممتلكات الشخصية: الأطفال الصغار أحيانًا لا يكون لديهم فهم كافٍ لمفهوم الملكية وقد لا يدركون أن ما يأخذونه ليس ملكًا لهم.
7. مشاكل نفسية أو اجتماعية: في بعض الحالات قد تكون السرقة مؤشرًا على مشاكل نفسية كالتوتر أو الاكتئاب أو صعوبات في التحكم بالاندفاعات.
و توجد عدة طرق لعلاج السرقة عند الأطفال لانها تتطلب التركيز على تعديل السلوك بأسلوب تربوي إيجابي ويعتمد ذلك على تفهم أسباب السرقة والتعامل معها بشكل هادئ ومنظم هنا بعض الخطوات لمساعدة الطفل على التوقف عن السرقة وتعديل سلوكه:
1. التفهم وعدم الانفعال: من المهم ألا تتفاعل بعصبية عند اكتشاف سرقة الطفل بل حاول تفهم السبب وراء سلوكه فقد يكون السرقة ناتجة عن رغبة في الحصول على شيء محروم منه أو قد تكون تعبيراً عن حاجة نفسية.
2. التوجيه بدون توبيخ: تحدث مع الطفل بلطف واشرح له أن أخذ أشياء الآخرين بدون إذن ليس سلوكاً مقبولاً اشرح له لماذا السرقة غير صحيحة وتأثيرها على مشاعر الآخرين.
3. تعزيز القيم والأخلاق: علم الطفل قيم الأمانة والصدق من خلال القصص والأمثال والنماذج السلوكية يمكن أن تكون القراءة عن شخصيات إيجابية تحفزه على احترام ممتلكات الآخرين.
4. إعطاء بدائل ومكافآت: قد يلجأ الطفل إلى السرقة عندما يشعر بالحرمان حاول توفير بعض البدائل المقبولة له مثل إعطائه مكافأة عند تصرفه بإيجابية وتشجيعه على طلب ما يحتاجه بشكل صحيح.
5. التعاون مع المدرسة: إذا كان الطفل يسرق في المدرسة فيجب التواصل مع المعلمين لفهم المواقف التي تدفعه للسرقة هناك والعمل معاً على تعديل سلوكه.
6. التشجيع على الاعتراف: شجع الطفل على الاعتراف بخطئه بدون خوف دعوه يعيد الشيء المسروق ويعتذر عنه هذه الخطوة تعلمه تحمل المسؤولية وتجنب تكرار السلوك.
7. توجيه الطاقة بشكل إيجابي: أشرك الطفل في أنشطة ترفيهية أو رياضية تشغل وقته وتوجه طاقته بشكل إيجابي مما يقلل من التفكير في السلوكيات السلبية.
8. طلب مساعدة مختص إذا لزم الأمر: إذا استمر السلوك لفترة طويلة أو كان يؤثر على حياة الطفل الاجتماعية فقد يكون من المفيد استشارة أخصائي نفسي مختص لمساعدة الطفل على تجاوز هذا السلوك.
يتبع المختص النفسي أساليب علمية تعتمد على فهم أسباب السلوك وتعديلها بطريقة تربوية.
1. التقييم النفسي الشامل: يبدأ المختص بجلسات لتقييم الطفل وفهم شخصيته وأسباب السرقة مثل الشعور بالحرمان الرغبة في الانتباه أو مشاكل نفسية مثل القلق أو الاكتئاب التقييم يساهم في تحديد العوامل المؤثرة ومعرفة ما إذا كان السلوك جزءًا من مشكلة أعمق.
2. جلسات العلاج السلوكي: يستخدم المعالج تقنيات تعديل السلوك لتحفيز الطفل على ترك السرقة واعتماد السلوكيات الإيجابية. يتضمن ذلك:
التعزيز الإيجابي: مكافأة الطفل عند تصرفه بصدق وأمانة لتعزيز السلوك الإيجابي.
التوجيه التدريجي: تعليمه كيف يطلب الأشياء بدلاً من أخذها.
تدريب على اتخاذ القرارات: توجيهه لتقييم خياراته وفهم عواقب أفعاله.
3. تطوير المهارات الاجتماعية: يساعد المختص الطفل على بناء مهارات التواصل الاجتماعي والقدرة على التعبير عن رغباته ومشاعره بطرق صحية. هذا يقلل من حاجته للجوء إلى السرقة كوسيلة للتعبير أو الحصول على ما يريد.
4. جلسات العلاج النفسي الأسري: في بعض الحالات يدعو المختص الأهل إلى جلسات جماعية مع الطفل للتوعية بدورهم في مساعدة الطفل وتفادي أساليب العقاب القاسية يساعد المختص الوالدين في فهم مشاعر الطفل وأهمية تقديم الدعم النفسي والتربية الإيجابية.
5. العلاج المعرفي السلوكي (CBT): إذا كانت السرقة مرتبطة بمشاكل داخلية مثل التوتر أو الشعور بالنقص قد يلجأ المختص إلى العلاج المعرفي السلوكي لتغيير الأفكار السلبية لدى الطفل وتطوير فهمه الذاتي وتعزيز تقديره لنفسه.
6. التدريب على حل المشكلات: يساعد المختص الطفل على تعلم أساليب حل المشكلات بطرق صحية دون اللجوء إلى سلوكيات خاطئة يُمكن أن يتم ذلك عبر تمارين عملية تُحاكي المواقف اليومية.
7. التشجيع على تحمل المسؤولية: يشجع المعالج الطفل على إعادة الأشياء المسروقة والاعتذار عنها مما يعزز لديه مفهوم تحمل المسؤولية ويعلمه احترام الآخرين وممتلكاتهم.
8. متابعة مستمرة: يتابع المختص حالة الطفل على المدى الطويل للتأكد من استمرارية السلوك الإيجابي وعدم العودة للسرقة ويتواصل مع الأهل والمدرسة لتقديم أي دعم إضافي إذا لزم الأمر.
اللجوء لمختص نفسي يقدم للطفل فرصة لفهم نفسه بشكل أفضل ويعينه على تجاوز السلوكيات السلبية بأساليب تربوية فعالة ومناسبة لطبيعة حالته.
وقد تختلف تفسيرات السرقة عند الأطفال بين المدارس النفسية ولكل منها وجهة نظر خاصة تعكس مفهومها عن السلوك البشري ودوافعه .
1. مدرسة التحليل النفسي (فرويد):
يرى فرويد أن السلوك البشري بما في ذلك السرقة قد ينشأ عن صراعات داخلية في اللاوعي وأن السلوكيات السلبية قد تكون نتيجة خلل في توازن عناصر الشخصية الثلاثة: الهو (الرغبات) والأنا (الواقعية) والأنا العليا (القيم الأخلاقية).
يعتبر فرويد أن السرقة عند الأطفال قد تكون نتيجة صراعات داخلية غير واعية أو تأثر بعلاقة الطفل بالوالدين مثل الحرمان العاطفي أو الشعور بالنقص.
2. المدرسة السلوكية:
تؤكد المدرسة السلوكية على أن السرقة هي سلوك مكتسب قد يكون نتيجة لتجارب أو تأثيرات بيئية السلوكيون يعتقدون أن السرقة قد تحدث عندما يرى الطفل نماذج تتصرف بهذه الطريقة أو إذا تم تعزيز السلوك بطريقة ما (مثل النجاح في الحصول على ما يريد).
وفقًا للسلوكية يمكن تعديل هذا السلوك من خلال التعزيز الإيجابي (مثل مكافأة الطفل عند سلوكه بأمانة) والتوجيه المتكرر نحو السلوك الصحيح.
السلوكيات يتم تعديلها بالتحكم في البيئة مما يعني أنه إذا نشأ الطفل في بيئة تحفزه على الأمانة والمشاركة فمن المرجح أن يقل لديه سلوك السرقة.
3. المدرسة الإنسانية (كارل روجرز وأبراهام ماسلو):
تركز المدرسة الإنسانية على تحقيق الطفل لذاته واحتياجاته النفسية يعتبر علماء النفس الإنسانيون أن السرقة قد تكون محاولة غير صحية لسد احتياجات الطفل مثل الشعور بالأمان أو الانتماء.
يرى ماسلو أن الطفل قد يلجأ للسرقة عندما يشعر بأن احتياجاته الأساسية (مثل الأمان أو التقدير) غير ملباة. لذلك فإن المدرسة الإنسانية تركز على تقديم بيئة محبة وداعمة تشبع احتياجات الطفل النفسية.
يعتبر روجرز أن الطفل يحتاج للقبول غير المشروط وأن توفير هذا القبول سيساهم في تحسين سلوكه ودفعه لتطوير قيم إيجابية مثل الأمانة واحترام الآخرين.
4. المدرسة المعرفية:
تركز المدرسة المعرفية على أفكار الطفل وتصوراته حول السلوكيات مثل السرقة يعتبر علماء النفس المعرفيون أن السرقة قد تكون نتيجة لتصورات خاطئة لدى الطفل حول حقه في امتلاك الأشياء أو بسبب عدم قدرته على تقدير عواقب أفعاله.
من منظور المدرسة المعرفية، يتم تعديل سلوك السرقة من خلال تغيير أفكار الطفل وتعليمه التفكير في عواقب سلوكه،وفهمه لمفاهيم مثل الملكية والأمانة.
5. المدرسة الاجتماعية (ألبرت باندورا):
يرى باندورا أن السلوك البشري بما في ذلك السرقة قد يكون نتيجة للتعلم من خلال الملاحظة والنمذجة. فالطفل قد يتعلم السرقة عبر مشاهدة آخرين يقومون بها خاصة إذا رأى أن من يقوم بذلك لا يتعرض للعقاب أو يحصل على مكاسب.
يعتقد باندورا أن البيئة تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل سلوك الطفل وأن تعديل هذا السلوك يمكن تحقيقه من خلال توفير نماذج إيجابية وتعليم الطفل كيفية طلب الأشياء بدلاً من أخذها دون إذن.
6. المدرسة النفسية الاجتماعية:
تركز هذه المدرسة على تأثير المجتمع والثقافة على سلوك الطفل ترى هذه المدرسة أن السرقة قد تكون انعكاساً للتأثيرات الاجتماعية أو لافتقار الطفل إلى بيئة تحتويه وتلبي احتياجاته.
علماء النفس الاجتماعيون يرون أن سلوك السرقة يمكن تعديله من خلال تعزيز الروابط الاجتماعية وتقديم الدعم الأسري والاجتماعي للطفل وزيادة الوعي لديه حول القيم الاجتماعية والأخلاقية.
ختاما
تختلف تفسيرات السرقة عند الأطفال بين المدارس النفسية لكن هناك إجماع على أن السرقة لا تُعَد مجرد تصرف خاطئ يجب عقابه بل قد تكون ناتجة عن عوامل نفسية اجتماعية أو معرفية يرى علماء النفس أنه من الأفضل معالجة السرقة بطريقة شاملة تراعي احتياجات الطفل النفسية وتعمل على تعديل سلوكه عبر فهم الأسباب الحقيقية وراءه وتقديم بيئة آمنة وداعمة.