بقلم- سالي جابر
هنا في هذا المكان حيث هدوء الليل وسكون القمر، أجد نفسي أتقابل مع ذاتي وجهًا لوجه، أُلقي عليها تحية وسلام، أتحدث إليها وأرنو بها إلى ينابيع الحنان حيث الصمت وما يملكه من قدرات فائقة على الابتعاد عن ضجيج العالم وقسوته. في هذا الهدوء آيات من الرحمة حينما يتدفق الألم إلى القلب ويصدع الرأس.
في هذا الصمت البديع تتعالى الأصوات الداخلية، وتغدق المشاعر المكنونة على الروح بسيل من الوضوح. كم كنت أخشاها في زمنٍ مضى، بينما الآن أنا أحدد الوقت بالدقيقة والثانية لأنفرد بذاتي، فأقوى على الخذلان وأطفئ لهيب الخوف. ففي مصارحة النفس قوة بالغة الإتقان لصنع مسرح للسلام، مكان خالٍ من الأقنعة والزيف. الوحدة لا تعني أنك وحيد، بل تعني أنك قادر على مواجهة مهاترات الوجود، أنك قادر على مواجهة عواصف الحياة وأتربة الخوف، والضجيج الذي تحمله الروح المتعبة.
ماذا لو كان العالم عبارة عن لوحات صامتة تعبر عما بنا، وأسلاك جيدة التوصيل لحرارة القلب والعقل معًا، لنترجم مشاعرنا دون ضجيج؟ ماذا لو كانت المشاعر المتشابكة كخيوط قديمة تنتظر أن تُفك في سكينة؟ ماذا لو كانت واضحة يفهمها الآخرون دون تلون أو تصنع أو حيرة وشجن؟ العيون أحيانًا تفضح مكنون القلوب، لكن بعض العقول تعجز عن قراءة المقصود منها.
هل يُعقل أن ينجو العقل والقلب غريقين؟ أم أنهما في مركب واحدة، رُبانها تحركه عرائس المريونيت فتهتز وتتمايل، وبها آلاف من المشاعر الصامتة التي تختبئ وراء خيوطها؟
الصمت لديه القدرة على محاربة سيل الأسئلة التي بلا تفسير، بعض الصمت راحة، وفي مجمله حياة.