بقلم / وليد درويش
كنا أمة عربية قوية ذات شأن وثقل، ثم ضعفنا من القلاقل والتنازع والفتن التي حاكتها وتم صياغتها وكتابتها دول غربية، وعلي رأسها فرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا. حيث قامت تلك الدول بالاستعمار بعد ضعف وتآمر على الدولة العثمانية، آخر دول الخلافة. ومنذ ذلك التاريخ لم تنعم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالاستقلالية الكاملة على مقدراتها، حتى بعد زوال الاحتلال المباشر، ليبقى له من يحقق له أهدافه ومصالحه عن بُعد. كما نجح أيضًا بإنشاء دولة الكيان المحتل منذ وعد بيلفور، حتى وصلنا إلى يومنا هذا في أحداث جسام تم تدوينها في صفحات التاريخ بالدماء، ولم تنته الرواية بعد، فما زالت فصولها تُكتب على قدم وثاق من تقسيم ومؤامرات وحروب وسرقة ثروات الشعوب والأوطان.
فليبيا هي إحدى الدول العربية والإسلامية الأفريقية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، من شمالها وشرقها مصر، وجنوبها دول الصحراء، تشاد، وغربها تونس والجزائر. قامت ليبيا بمقاومة الاحتلال الإيطالي حتى الاستقلال، ومن بعدها صارت ملكية ثم جماهيرية اشتراكية.
مرت ليبيا بأحداث كبيرة وخطيرة أدت إلى سقوط النظام السابق بمقتل الرئيس معمر القذافي بعد ثورة الشعب الليبي عليه من المعارضين الموالين للدول الغربية، بعد أن قررت تلك الدول التخلص منه بسبب تصريحاته ومواقفه ورؤيته بالسيطرة على أفريقيا بطموح متباين، لكن المعلن قطعا أن الثوار الليبيين هم من قتلوه.
لكن في أحداث الثورة الليبية (الربيع العربي) تم رصد مخابرات الدول الغربية بشكل كان جليًا، مؤججًا للداخل الليبي، وانتهى المشهد بتحالف الناتو وضرب أماكن تواجده وبعض فرق الجيش المدافعة عنه بهدف القضاء عليه، إلى أن تحقق الهدف بمقتله والتمثيل به لإعلاء الديمقراطية المنشودة، كما حدث في العراق من قبل مع اختلاف الرواية.
وأخيرًا، قد نجحت مصر بمساعدة ليبيا نحو الاستقرار وعدم التقسيم، ودعم الجيش الليبي الوطني بقيادة خليفة حفتر لبسط السيطرة على 90% من الأراضي الليبية شرقًا وجنوبًا وغربًا، وكذلك الحدود، للمضي قدمًا نحو انتخاب رئيس توافقي منتخب يحظى بتأييد الغالبية العظمى.
وقد بدأ الإعمار بالفعل في شرق ليبيا في البنية التحتية والسدود والموانئ والكباري وشبكات الكهرباء والطرق بشكل سريع ومتزايد، في تقديرات أن ملف الإعمار في كامل ليبيا يقدر بـ570 مليار دولار، وأن مقدرات الشعب الليبي في الخارج من النقد الأجنبي في الدول الغربية (عوائد نفطية وغيرها) تُقدر بـ270 مليار دولار، تم تجميدها منذ بدأ الحرب إلى الآن، وقد تم رفض تسليمها إلى السلطات الليبية بدعوى أنه لا يوجد رئيس منتخب ولا يوجد استقرار، في خطوة تبين للعالم مدى أطماع الدول الغربية في مقدرات الشعب الليبي.
بل والأدهى من ذلك أن هناك دعوة غربية تنادي الآن ويجري التسويق لها بعد الاستقرار المتباين وتهدئة الأوضاع وقرب الانتخابات المنشودة بعد فترة قصيرة، وهي الدعوى بعودة الملكية بقيادة السنوسي الوريث الشرعي للمملكة الليبية القديمة.
مما يزيد من بث الفتنة وضرب الاستقرار وخطط البناء والتعمير والإعمار، ورجوع الاتفاقيات القديمة المحررة سنة 1951 لإنشاء قواعد عسكرية أمريكية وإنجليزية على الأراضي الليبية.
الآن يبدو المشهد جليًا وواضحًا للقاصي والداني أن الغرب يقود أبشع أنواع الاستبداد والاستعمار والمكائد ضد الشعوب العربية تحت شتى الذرائع، لكن الهدف هو الفوز والغنيمة بثروات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتجابه مصر بسياستها الحكيمة والمتأنية والرشيدة أعنف أنواع الحروب ضراوة داخليًا وخارجيًا، وتتعامل بكل شرف لدعم الأشقاء في ملفات حرب وجودية بإمتياز في زمن قل فيه الشرف.
تحيا مصر حرة أبية شامخة، هاماتها عزيزة، صواريها بين الأمم.