بسمة خالد
أخصائي علم النفس والإرشاد الأسري
في إطار الحياة اليومية المليئة بالضغوطات والمهام المتزايدة، كثيرًا ما نجد أنفسنا نبحث عن الراحة المطلقة، ذلك الشعور الذي نطمح إليه حيث تتوقف فيه كل الهموم وتختفي فيه المسؤوليات. نتصور أن هناك لحظة ما في المستقبل ستكون فيها حياتنا خالية من المسؤوليات والضغوط، حيث نكون قد انتهينا من كل المهام وحققنا كل الأهداف، ونستمتع بحالة من السكينة الكاملة. لكن، هل هذه اللحظة موجودة حقًا؟
الحقيقة أن الرضا ليس حالة دائمة أو وضعًا نصل إليه بمجرد إنهاء التزاماتنا. الحياة دائمًا تتطلب منا مواجهة تحديات جديدة وتحمل ضغوطات ومهام متجددة. ومن الطبيعي أن نشعر بالإجهاد والضغط من وقت لآخر، لكن هذا لا يعني أن السعادة والراحة ليست ممكنة. فبدلًا من البحث عن الراحة المطلقة، علينا أن نتعلم كيف نجد الرضا في اللحظات الصغيرة.
تخيل يومًا حارًا، وبعد أيام طويلة من الحرارة، يظهر فجأة يوم معتدل مع نسمات هواء منعشة. تلك اللحظة البسيطة يمكن أن تكون مصدرًا كبيرًا للراحة. أو ربما تشعر بذلك عندما تنتهي من عمل مرهق، وتجلس لتحتسي فنجانًا من القهوة في هدوء. تلك اللحظات الصغيرة التي قد لا نلاحظها في زحمة الحياة، هي التي تحمل الرضا.
الرضا ليس عن تحقيق الكمال أو إنهاء كل شيء. إنه يتعلق بالقدرة على التوقف للحظة، والتأمل فيما هو موجود هنا والآن. حتى في ظل ضغوط الحياة وتحدياتها، يمكننا أن نجد لحظات من السكينة والراحة إذا كنا مستعدين لتقدير اللحظات البسيطة.
قد يكون الرضا في رؤية ابتسامة طفلك بعد يوم طويل، أو في لحظة هدوء بعد يوم مليء بالتوتر. قد تجده في تلك اللحظة التي تخلد فيها للنوم بعد إتمام مهمة كانت تشغل بالك. الرضا ليس عن اختفاء المشاكل، بل عن إيجاد السلام وسط الفوضى.
ختامًا، الرضا طريق أكثر من كونه هدفًا. إنه شيء نتعلمه ونبنيه مع الوقت. قد لا تكون قادرًا على تغيير كل الظروف من حولك، لكنك تستطيع تغيير نظرتك لهذه الظروف. الرضا يأتي عندما نتقبل اللحظة ونعيشها بكل تفاصيلها، دون التفكير في المستقبل أو القلق بشأن ما لم نحققه بعد.
فبدلًا من السعي وراء الكمال أو الانتظار للحظة الراحة المطلقة، تعلم كيف تجد الرضا في تلك اللحظات الصغيرة التي تمر بها يوميًا. قد تكون هذه اللحظات البسيطة هي مفتاح السعادة الحقيقية.