خُدعنا والأحق خدعنا أنفسنا كالنار التى زُينت بالشهوات
فالحقائق قد تكون مخفية وراء مظاهر براقة، ولكن بالتدقيق والتمعن يمكننا أن نكتشف الحقيقة كاملة، دون أن ننخدع بما هو زائف.
ولتعلم عزيزي القارئ أن الحياة ليست دائمًا كما تبدو على السطح، والتدقيق في التفاصيل يمكن أن يكشف لنا الحقيقة التي غالبًا ما تكون مخفية خلف الخيال.
والمدقق في حاله يكتشف
أننا أمام فيلم “طاقية الإخفاء”، حيث استطاع المخرج أن يقنع المشاهد بفكرة أن “بودرة العفريت” تمتلك قوة سحرية تخفي أي شيء تلامسه. نرى بوضوح في أحد المشاهد كيف نفخ عبد المنعم إبراهيم البودرة في المعمل، واختفت الأشياء أمام أعيننا، كما أن العصا التي دفنها في البودرة اختفت هي الأخرى.
وقد تلقى المشاهد الفكرة بكل بساطة وصدق أن العفريت احترق، وأنتج بودرة قادرة على إخفاء كل ما تلامسه.
لكن الغريب هو أنه لم يلتفت أحد إلى بعض التفاصيل الدقيقة التي تُفند هذا المنطق. لم يعلق أحد على أن الطاقية التي دُفنت في البودرة لم تختفِ، وكذلك الجاروف الذي كان يستخدم في نقل البودرة أو الإناء الزجاجي الذي وُضعت فيه!
المُشاهد التقط الفكرة العامة، وانشغلت بفكرة أن من يرتدي الطاقية يختفي، بينما الحقيقة أن الطاقية نفسها المملوءة ببودرة العفريت لم تختفِ.
هذه التفاصيل البسيطة تكشف كيف أن البعض يرون الأمور فقط من الزاوية التي تُرضيهم أو تُثير إعجابهم، دون أن يلتفتوا إلى الزوايا الأخرى.
ورغم اكتمال الصورة أمامهم، فإنهم يختارون تجاهل الحقائق والاستمتاع بما هو زائف وغير حقيقي.
هذا النمط من التفكير لا يقتصر فقط على الأفلام أو الخيال، بل يظهر في حياتنا اليومية أيضًا. كثيرًا ما نُركز على ما يُرضينا أو يتفق مع توقعاتنا، ونتجاهل التفاصيل التي قد تُغير الصورة بأكملها. في الواقع، نميل إلى تصديق القصص التي تُريحنا أو تُدهشنا، حتى لو كانت تحمل تناقضات واضحة.
في حالة “طاقية الإخفاء”، كان الجميع منشغلًا بفكرة الاختفاء السحري، متغافلين عن التناقضات البسيطة التي لو أمعنوا النظر فيها لعرفوا أن القصة غير مكتملة. هذا يُشبه ما يحدث في مواقف الحياة الحقيقية، حيث نميل إلى تصديق ما نُريد أن نراه أو نسمعه، متجاهلين ما قد يُزعزع تصوراتنا.
والحق أقول إن الميل إلى رؤية جزء من الصورة والتغافل عن البقية يُمكن أن يقودنا في بعض الأحيان إلى اتخاذ قرارات مبنية على معلومات ناقصة أو مشوهة. وبالتالي، يجب أن نُدرب أنفسنا على أن ننظر إلى الصورة الكاملة، وأن نتساءل دائمًا عن التفاصيل التي لا تتماشى مع الرواية العامة، حتى لا نقع في فخ التصديق الأعمى لما هو غير حقيقي.
في كثير من الأحيان، نحن نختار التصديق فيما يريحنا، ونهرب من مواجهة الحقائق التي قد تكون غير مريحة أو تصطدم بما نؤمن به. مثلما تجاهل المشاهدون التناقضات في “طاقية الإخفاء”، يمكن أن نتجاهل نحن أيضًا الحقائق الصارخة في حياتنا، سواء كان ذلك في القضايا الاجتماعية، أو السياسية، أو حتى الشخصية.
هذا الميل البشري يخلق نوعًا من “الراحة المعرفية”، حيث نتمسك بما نريد تصديقه ونتجاهل الأدلة المخالفة، وهو ما يُعرف في علم النفس باسم “التحيز التأكيدي”. نحن نبحث دائمًا عن المعلومات التي تؤكد معتقداتنا ونغض الطرف عن تلك التي قد تهدمها.
لكن الحقيقة، مهما كانت مؤلمة أو مزعجة، تبقى هي الأهم. فهم الواقع كما هو، بمميزاته وعيوبه، يمكننا من اتخاذ قرارات أفضل وتحقيق توازن أكبر في حياتنا. ومع ذلك، فإن البعض يفضل البقاء في دوامة من الخداع الذاتي، حيث يتمسك بالأوهام بدلاً من مواجهة الواقع.
لذلك، في كل مرة نواجه فيها فكرة أو قصة تبدو مغرية للغاية، يجب أن نتوقف قليلاً، ونتساءل: هل الصورة التي نراها كاملة؟ أم أن هناك زوايا خفية نحتاج إلى استكشافها؟ بهذا التفكير، يمكننا أن نحمي أنفسنا من الوقوع في فخ التصديق الأعمى، وأن نكون أكثر استعدادًا لتقبل الحقائق، مهما كانت معقدة أو غير مريحة.