الأحتفال بمولد النبي صل الله عليه وسلم بين ( الإتفاق والخلاف)

كتب / إسماعيل عبد الشافي
قطاع القناة
بداية نقول إن احترام ذكرى مولد الأنبياء وردت لنا في القرآن الكريم
أولى تلك الإشارات الدالة على احترام مولد الأنبياء وموتهم نجدها في احتفاء القرآن الكريم بمولد يحيى وعيسى – عليهما السلام – وموتهما، قال تعالى عن يحيى عليه الصلاة والسلام (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)
وقال تعالى على لسان عيسى عليه الصلاة والسلام (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)

فميلاد أي نبي بداية مرحلة جديدة وطور جديد للمنهج الإلهي، وموته إعلان بتمام وحي تلك المرحلة، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فميلاده إشراقة نور للأرض والبشرية أجمعين، وانتقاله إلى الدار الأخرة ختام للنبوة والوحي والشرع الشريف.

ومن هذا المنظور يجب علينا أن نهتدي ونقتدي بما جاء بالقرآن الكريم بالاحتفاء بميلاد الأنبياء وانتقالهم إلى دار الحق
فلنا أن نحتفل بميلاد النبي صل الله عليه وسلم.

أما مَن يرددون قول أنه شهر موته صل الله عليه وسلم فاحتفالنا احتفال بتشريفه للدنيا وأنواره الباقية مادامت الدنيا
فالنبي صل الله عليه وسلم لم يمت بمعنى الفناء والعدم، وإنما انتقل إلى عالم آخر غير عالم الشهادة، فهو حي دائماً برسالة ربه التي حملها وبلغها لأهل الأرض وهذا القول ليس قولًا نابع من عاطفة فقط ، وإنما هو حقيقة شرعية ثابتة

قال رسول الله صل الله عليه وسلم في الحديث الشريف: “ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام” والصلاة على النبي صل الله عليه وسلم لا تتوقف لحظة في الأرض، فبحساب خطوط الطول فالأذان يُرفع كل ثانية على الأرض، وتُذكر فيه الشهادتان (أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله) وما من مسلم يسمعه إلا ويصلي على النبي صل الله عليه وسلم.
ونسمع من يقول السؤال الذي يردده الكثر في هذا الزمان هل احتفل النبي صل الله عليه وسلم بيوم مولده؟
ففي الحديث الذي رواه مسلم سُئل النبي صل الله عليه وسلم عن صيامه يوم الاثنين، فقال صل الله عليه وسلم: “ذاك يوم وُلدت فيه”.

ومن المعلوم إجماعًا أن ما حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على فعله من غير الفرض يسمى بالسُنة المؤكدة، وبذلك يكون الاحتفال بيوم مولده صل الله عليه وسلم في حكم المستحب، لأنه من السنة المؤكدة، التي حافظ النبي صل الله عليه وسلم على فعلها.
ونسمع أيضا من يقول :
هل كان النبي صل الله عليه وسلم يوزع الحلوى لهذه المناسبة؟
والإجابة: لا، لم يكن يوزع الحلوى، وإنما كان يصوم شكرا لله.
فيرد عليك؛
إذن توزيع الحلوى بدعة.
والإجابة: هذا فهم خاطئ وقاصر لمفهوم البدعة، فالبدعة قد تكون في الدين وقد تكون في الدنيا، وقد تكون حسنة وقد تكون مذمومة، وهذا هو فهم العلماء خلفا عن سلف.

وخلاصتها: إذا كانت البدعة في الدين فضابطها أن يكون لها أصل وإلا فهي بدعة ضلال مذمومة.. أما إذا كانت في الدنيا فضابطها ألا تخالف الشرع فإذا خالفته فهي بدعة مذمومة وإذا لم تخالفه فهي بدعة حسنة
قال الإمام الشافعي رحمه الله : البدعة بدعتان، محمودة ومذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها مذموم

وبالتالي فإذا تم توزيع الحلوى على أنها من أصول الدين فهي مذمومة مرفوضة، أما إذا كان توزيع الحلوى عادة مجتمعية غير مفروضة على الجميع فلا شيء فيها.

وحقيقة توزيع الحلوى له شقان، الأول حبا فيما يحب رسول الله صل الله عليه وسلم، واتباعا له في أمر من أمور الدنيا، على سبيل القربة والمودة لا على سبيل التشريع.
ففي الحديث الذي رواه البخاري، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها … قالت : “كان رسول الله صل الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل”.

والشق الآخر فتوزيع الحلوى تعبيرًا عن السعادة والفرح والسرور.
ولا يختلف عاقل على أن شراء حلوى المولد وتوزيعها سلوك دنيوي لا ديني، وهي عادة اجتماعية للتآلف بين البشر، والتعبير عن محبة صاحب المناسبة صل الله عليه وسلم، ولم يقل أحد أنها من الدين، وبالتالي فهي لا تخالف الشرع الشريف في شيء، بل هي تدخل في أصل من أصول الشرع، عملًا بحديث رسول الله صل الله عليه وسلم: “أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام”.

ولا نغفل أن عادة إهداء الطعام سنة نبوية شريفة، فقد كان الصحابة يهدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك فعل الصحابة والتابعون من بعدهم، واستمر هذا السلوك الحسن عبر الأجيال خلفًا عن سلف ولم ينكره أحد
كما أن النبي صل الله عليه وسلم كان يحب الحلوى فاعتاد المصريون على صنع ما يحبه النبي صل الله عليه وسلم في ذكرى مولده، فلا مخالفة للشرع في ذلك.
واستحباب الاحتفال بالمولد النبوي قال به الكثير والكثير من أهل العلم من أهل السنة والجماعة، و منهم ابن تيمية، الذي قال في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم): فتعظيم المولد واتخاذه عيد موسمي قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجرًا عظيمًا، لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صل الله عليه وسلم، فاحتفلوا بيوم مولده صلى الله عليه وسلم.

أما منطقة الخلاف الحقيقية التي يجب حسمها
فهي كيفية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
وبالطبع لا يتصور عاقل أن هذا الاحتفال الشريف يمكن أن يكون بأي سلوك محرم أو فعل يُعصي الله فيه

وإنما الاحتفال بمولده الشريف صل الله عليه وسلم يكون بالتذكير بسنته صل الله عليه وسلم ، والتذكير بسيرته المطهرة وتعليمها للشباب والنشئ.
المقصود أن الاحتفال يكون باتباع النبي صل الله عليه وسلم في كل ما جاء به، وأول الاتباع تعليم أخلاقه صل الله عليه وسلم والدعوة إليها، فقد وصفه الله تعالى بالخلق العظيم، قال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وقال صل الله عليه وسلم إنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق… الأحتفال يكون بتعليم واستعادة الفهم الصحيح للإسلام، ومنهجه ومقاصده ومقوماته، والمقصود من خلق الإنسان بتعمير الأرض وعبادة الله الواحد والتذكير بالتراحم ومكارم الأخلاق و بسيرة النبي و مناقبه وشمائله صل الله عليه وسلم،

الأحتفال بمولد النبي صل الله عليه وسلم بين ( الإتفاق والخلاف)
Comments (0)
Add Comment