كتب د _ عيد على
تناولت هذا المقال بعد ما خرج علينا وزير التربية والتعليم الدكتور ” محمد عبد اللطيف ” مضيفا إصلاحات في التعليم من دمج مواد وحذف مواد واقتراحات بمد أيام الدراسة وزيادة لزمن الحصة والقضاء على عجز المعلمين و…….. و…
وهنا بحثت في ذاكرة التاريخ واستجمعت أفكاري وأضع بين أيديكم مصير كل من فكر في الإصلاح للمنظومة التعليمية أو فكر بالمساس بمافيا الكتب المدرسية.
وأهمس هنا في أذن وزير التربية والتعليم الدكتور ” محمد عبد اللطيف ” هل ينصفك وزير المالية أو المحافظون لدفع رواتب المعلمين المتعاقدين أو كما تعودنا كل عام البند والميزانية لا تسمح؟ هل وفرت المعلمين للعام الدراسي الحالي أم نفس مقترحات كل عام والتي حكم عليها جميعا بالفشل؟ هل وهل وهل؟
ولكنني لست من هؤلاء المحبطين أو المتشائمين لذلك سأمد يد العون لك وندعمك على صفحات جريدة القاهرية عسى أن يجعل الله الصلاح على يديك.
والآن عزيزى القارئ تابع معي حتى نهاية المقال لتفهم لماذا تفشل كل سبل الإصلاح في منظومة التعليم ولحساب من ؟ تابع معي حتى النهاية وعندها ستدرك المعانأة ومن السبب فيها !
والآن من هو الطاغية؟ البعض قد يرى أن الدكتور أحمد زكي بدر، وزير التربية والتعليم في ذلك الوقت، قد نال هذا اللقب عندما قرر مواجهة مسألة الكتب الخارجية في منتصف عام 2010. الوزير أصدر القرار رقم 52، والذي تضمن مادة تلزم كل من يرغب في تأليف أو نشر أو توزيع كتب خارجية بأن يدفع أولاً مقابل استخدام المحتوى العلمي الذي أعدته الوزارة. وبدون هذا الدفع، لن يتم إصدار أي تراخيص.
كان الهدف من هذا القرار واضحًا: منع الناشرين من استغلال المحتوى التعليمي الذي أعدته الوزارة وجني الأرباح منه دون مقابل، خاصة وأن اعتماد الطلاب على الكتب الخارجية أدى إلى تجاهلهم للكتب المدرسية الرسمية. وبالفعل، استجاب الناشرون لهذا القرار بحذر وسألوا الوزير عن متطلبات الوزارة، فكان جوابه بأن لكل مادة سعرًا محددًا لحق الانتفاع. على سبيل المثال، كان حق الانتفاع للمادة الواحدة في الصف الأول الابتدائي 400 ألف جنيها، بينما في الصف الثالث الثانوي بلغ حق الانتفاع مليون جنيها، باستثناء مادة الرياضيات التي كانت تكلفتها مليون و800 ألف جنيها.
لكن الأمور لم تتوقف هنا. فقد أصبحت الكتب الخارجية نادرة في السوق، وكان من الصعب على أولياء الأمور العثور عليها، مما دفعهم للبحث عنها في السوق السوداء. بدأت المطابع تتأخر عمدًا في طباعة الكتب المدرسية لتزيد من استياء أولياء الأمور ضد الوزير. ومع تزايد قرارات الوزير، مثل تحويل بعض المدارس القومية إلى مدارس تجريبية، تصاعد الغضب الشعبي ضده.
ما زاد من تعقيد الأمور هو تدخل مافيا الكتب الخارجية، التي استغلت حالة الاستياء العام وحرضت الأهالي ضد الوزير بدرجة وصلت إلى إطلاق حملات ضد الوزير والمطالبة برحيله.
وفي النهاية، على الرغم من تأييد المحكمة لقرارات الوزير، لم يستمر بدر في منصبه سوى عام واحد فقط، إذ انتهت ولايته مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011. وما حدث بعد ذلك كان عودة مافيا الدروس الخصوصية والكتب الخارجية إلى السيطرة على السوق بشكل أكبر مما كانت عليه من قبل. من هذه القصة، يمكننا أن نتعلم أنه رغم محاولات بعض الوزراء لإصلاح التعليم في مصر، فإن مقاومة التغيير تأتي أحيانًا من أولياء الأمور أنفسهم الذين لا يدركون الهدف الأبعد من تلك القرارات.
عندما نعود للنظر في هذه القصة، نجد أنها ليست مجرد مواجهة بين وزير وإصلاحي وأطراف مستفيدة من الوضع القائم. إنها تعكس صراعًا أعمق بين رؤية طويلة الأمد للإصلاح وصعوبات واقعية تفرضها الظروف الاجتماعية والثقافية.
أولياء الأمور، الذين كانوا يفترض أن يكونوا داعمين لعملية الإصلاح، وجدوا أنفسهم في مواجهة الوزير، ليس لأنهم يعارضون تحسين التعليم، بل لأنهم كانوا يرون في القرارات تهديدًا مباشرًا لمصلحة أبنائهم على المدى القصير. ولكن الواقع هو أن هذه المقاومة، وإن كانت مبنية على مخاوف مشروعة، قد أدت إلى تراجع الجهود الإصلاحية وإفساح المجال مرة أخرى لممارسات قديمة كانت تهدف الوزارة للقضاء عليها.
هذا الصراع بين الإصلاح والمقاومة الاجتماعية ليس جديدًا، وهو يعكس تحديات يواجهها كل من يحاول تغيير منظومة قائمة، خاصة عندما تكون هذه المنظومة مرتبطة بمصالح اقتصادية قوية مثل مافيا الكتب الخارجية. تلك المصالح لم تكن فقط تستفيد من الوضع القائم، بل كانت قادرة على توجيه الرأي العام ضد أي تغيير قد يهددها.
وفي النهاية، تُظهر هذه القصة أن الإصلاح الحقيقي لا يتعلق فقط باتخاذ قرارات جريئة من قبل المسؤولين، بل يتطلب أيضًا تغييرات عميقة في الوعي الاجتماعي والثقافي، وكذلك دعمًا حقيقيًا ومستمرًا من كافة الأطراف المعنية. بدون هذا الدعم، ستظل محاولات الإصلاح تواجه مقاومة شرسة، وستظل المصالح الاقتصادية القوية قادرة على تقويض أي جهود للتغيير.
وفي ضوء هذه الأحداث، يصبح واضحًا أن أي محاولة للإصلاح في مجال التعليم تحتاج إلى استراتيجية شاملة تشمل ليس فقط تعديل السياسات وتطبيق القوانين، بل أيضًا التواصل الفعّال مع جميع الأطراف المعنية. يجب أن يكون هناك حوار مستمر بين الوزارة وأولياء الأمور والمعلمين وحتى الطلاب، لشرح الأهداف بعيدة المدى للإصلاحات المقترحة وكيف أنها تصب في مصلحة الجميع على المدى الطويل.
كما أن على الوزارة أن تتعامل بحذر مع المصالح الاقتصادية التي تقف في طريق التغيير. فمثلاً، بدلاً من مجرد فرض رسوم على الكتب الخارجية، كان يمكن أن تطرح حلولاً بديلة مثل تعزيز جودة الكتب المدرسية وجعلها أكثر جاذبية واستخدامًا للطلاب. أو ربما تطوير شراكات مع دور النشر لإنتاج مواد تعليمية مكملة تتماشى مع مناهج الوزارة، بدلاً من الاعتماد على المنافسة بين الطرفين.
لكن الأهم من كل ذلك هو بناء ثقة الجمهور في أن هذه الإصلاحات تهدف بالفعل إلى تحسين جودة التعليم، وليس فقط لتحقيق مكاسب مالية أو إدارية. بناء هذه الثقة يتطلب شفافية في العمليات، ومشاركة أكبر للمجتمع في اتخاذ القرارات، ووضوحًا في شرح الفوائد طويلة الأجل للإصلاحات.
في النهاية، قصة الدكتور أحمد زكي بدر تمثل درسًا مهمًا في كيفية تعامل الحكومات مع مقاومة التغيير، وكيف يمكن للتواصل الفعّال والاستراتيجية الشاملة أن يسهما في إنجاح الإصلاحات. الإصلاح التعليمي ليس مجرد مسألة إدارية، بل هو تحدٍّ اجتماعي وثقافي يتطلب التزامًا جماعيًا وتعاونًا من الجميع للوصول إلى مستقبل أفضل.