حسن محمود الشريف
إن الله تعالى من واسع رحمته ولطفه بهذه الأمة اختار لها أزمنة محدودة، ومواسم معدودة يتسابقون فيها للطاعات، ويشمرون فيها عن ساعد الجد بالعمل الصالح الموصل إلى مرضاة الله جل جلاله؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فينبغي على الإنسان أن يهيئ نفسه لهذه المواسم، فيغتنمها ولا يغفل عن العمل الصالح فيها حتى ينال رضا الله عز وجل .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن لربكم فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها لعل أحدكم أن تدركه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً)
من هذه النفحات نفحة طيبة مباركة ألا وهى يوم عاشوراء هو أحد أيام شهر الله المحرم، وهو أحد الأشهر الحرم التي عظمها الله تعالى وذكرها في كتابه فقال: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )(التوبة:36
ويعتبر اليوم العاشر من شهر المحرّم هو يوم عاشوراء عند المسلمين،
فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى – عند مسلم شكراً – فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه).
سبب صيام عاشوراء
لقد كان السّبب الرّئيسي وراء تشريع صيام يوم عاشوراء هو أنّ الله سبحانه وتعالى قد نجّى فيه سيّدنا موسى عليه السّلام وقومه بني إسرائيل من بطش فرعون وملئه،
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم –
يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر النّاس بصيامه، فلمّا فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه) رواه البخاري ومسلم، وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يقول: (إنّ هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء صام، ومن شاء فليفطر) رواه البخاري ومسلم .
ومن فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم ، لما روى عن أبى قتادة رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ» أخرجه مسلم فى “صحيحه”.
إن الناظر في العام الهجرى يجد أن طرفي العام شهران من الأشهر الحرم فينتهي بشهر ذي الحجة ويبتدئ بشهر المحرَّم إشعارًا للمؤمن بأن يختم عمله بالخير ويفتتحه بالخير.
فقبل أن ينتهي العام نصوم يوم عرفة فيغفر الله لنا ذنوب سنة سابقة وسنة لاحقة
ويأتي بداية العام فنصوم يوم عاشوراء فيغفر الله لنا ذنوب سنة وهذا يدل على أن الله يريد أن يتوب علينا ويمُن علينا سبحانه ونبدأ عاما جديدا نكون فيه طاهرين من الذنوب والأثام والمعاصى ،
ومن المستحبّ أن يصوم المسلم اليوم التّاسع مع اليوم العاشر من محرّم، وذلك لما ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (لمّا صام رسول الله يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنّه يوم تعظمه اليهود والنّصارى، فقال: إذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) رواه مسلم.
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيام يوم التاسع من شهر المحرّم
وقال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون : يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر , ونوى صيام التاسع ،
وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب أدناها أن يصوم يوم عاشوراء وحده ،
وأفضلها أن يصوم يوم التاسع معه وكلّما كثر الصّيام في شهر المحرّم كان أفضل وأطيب لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء، ويحث أصحابه عليه، ويتأكد صيام يوم عاشوراء ؛ وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان).
فلا تحرم نفسك اخى الحبيب من التقرب إلى الله بصيام يوم عاشوراء فصيام هذا اليوم يكفر سنه لان فضله عظيم عند رب العالمين ،
ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.