الحرب ما بين الأدب والسينما قراءة تفكيكية لرواية “سبع حركات من القسوة ” للكاتب الروائي القدير د.مصطفى البلكي

 

قراءة/ رانيا ثروت

بداية من العنوان العتبة الأولى للنص والتي تحتوي على أكثر من رمز غامض ينتظر التأويل بداية من الرقم سبعة بكل ما يرمز له من معنى مقدس في الكتب السماوية وغيرها وتحققه في طيات النص من خلال ذكر كلمة القسوة بنفس العدد وكأنما أصبح هذا العدد في العنوان إلى المدنس الديستوبي معكوس المقدس اليوتوبي .
إلى حركات القسوة والتي تشير إلى نوع من المحاكاة الساخرة ربما لكتب التنمية البشرية والتي تقدم نصائح للوصول إلى نتائج محددة لنكتشف من خلال النص أن الكاتب أعطانا بالفعل مقدمات كثيرة عرضها بشكل محايد وموضوعي بعين الراصد لأبطال السرد (الأم العجوز-براء – الزوج – صاحبات براء -قائد المعسكر) وغيرها من الشخصيات الفرعية وترك لنا متعة إنتاج نصا موازيا وعزز ذلك بنهاية ملغزة مفتوحة .
كذلك قدم لنا الكاتب من خلال العنوان سبع حركات للقسوة والتي قد يشير معناها إلى معادل موضوعي في لحركات الشطرنج ، الشطرنج الذي يمثل رمزا للحرب
حيث نجد في بعض خططه _ والتي تعادل الإجابة على سؤال _كيف تقتل الملك في سبع حركات ؟ ليكون المعنى في نصنا الروائي فيما يخص الملك هو كيف تقتل الرجل والمرأة والأمل والحياة في سبع حركات للقسوة .
ومن العنوان الذي تحقق فيه عنصري الجذب والتشويق يتضح لنا بصورة أو بأخرى أننا على وشك خوض غمار ملحمة إنسانية جديدة كتبها مصطفى البلكي قد تدور رحاها في ظل الحرب .
وهنا يجب الإشارة إلى أن هناك مايعرف بأدب الحرب وادب مابعد الحرب .
وادب الحرب ليس معنيا فقط برصد وتصوير الحرب ومعداتها ومعاركها وآلاتها ولكن ه معنيا بالضرورة بالجانب الإنساني منها لتصوير سحق هامة الإنسانية أمام غطرسة الآلة العسكرية المجنونة
وكذلك أدب مابعد الحرب ليس معنيا برصد بالأطلال الرمادية للمباني والخراب الذي يحط بجناحية المظلمين على المدن فقط وإنما يعنى كذلك بالأطلال الآدمية والقيم وال أخلاقيات المنهارة والصراع بين الموت والحياة الإنسانية والوحشية الروحانية والمادية ذلك الصراع المحموم المتأجج دائما والذي لا تهدأ رحاه .
ونجد أن رواية ا.مصطفى البلكي حوت هذين النوعين من الأدب في قالب واحد ،لنجد أن أحداث الرواية انقسمت لأحداث قبل الحرب وا أثناء الحرب وأحداث مابعد الحرب .
الكاتب في كل أعماله بارع في إستخدام اللغة والتصوير والاتكاء على المشهدية المرتكزة على أفعال الحركة .
وهذا يحيلنا إلى التناص بين بعض المشاهد السردية وبعض المشاهد السينمائية والتلاقي في معادلات موضوعية تجسدت فيها حالة التلاقح بين هذين النوعين من الفن كما أ السينما تشبه عملنا الروائي هذا من حيث تناولها للحرب من خلال ظلالها المنعكسة على الإنسانية وتصوير الحالة المأزومة للإنسان في مثل هذه الأوقات العصيبة التي تتكرر على مدار التاريخ .
ودعوني أتوقف عند عدة مفردات ومشاهد أدبية تناصت مع مشاهد وأعمال سينمائية إذا مافككناها إلى العناصر الأساسية في العمل السينمائي.
فعلى سبيل المثال نجد أن فيلم عرق البلح ملحمة رضوان الكاشف السينمائية تناصت بشكل كلي تفكيكي مع النص الروائي للكاتب من حيث العناصر الآتية :
فنجد الأم العجوزالحماة في نصنا الروائي هي نفسها الأم العجوز الحكيمة في الفيلم .
كذلك براء الشابة الجميلة بطلة السرد والعنصر المحرك للأغلبية الأحداث تعادل الفتاة البطلة التي قامت بدورها شريهان في فيلم عرق البلح .
كذلك الزوج الذي ذهب إلى الحرب وغاب كثيرا وعاد ميتا على قيد الحياة مفضلا العزلة عن الانخراط مع أسرته وممارسة حياته بشكل طبيعي يعادل في غيابه رجال القرية الذيت تم أخذهم قصرا من قبل مسلحين للعمل خارج البلد في الفيلم .
والنهاية المأساوية للزوج في الرواية تعادل النهاية المأساوية لأحمد في الرواية بالقتل غدرا وبأبشع الطرق وإن إختلفت الطريقة .
كذلك الجنود المجهولين في الرواية كانوا معادلا موضوعيا للرجال المسلحين المتخفيين الذين أخذوا رجال القرية قصرا في الفيلم .
وكذلك أتفق تنكير المكان والزمان بين كل من الفيلم والرواية وذلك لإفادة العموم المكاني والزماني ليؤكد الكاتب أن هذه الا أحداث والمأسي المؤسفة تتكرر على مدار تاريخ البشر ي في أي مكان وزمان متسائلا على لسان البطلة في الرواية عاكسا عبثية هذا التكرار في سؤالها لماذا يقتل الرجال بعضهم بعضا ؟
أيضا نجد أن مشهد جمع درنات البطاطس من قبل براء لإطعام صغارها مع ضعفها ووهنها يذكرنا بمشهد الفنانة فاتن حمامة في فيلم الحرام الذي كانت أزمته في الحصول على “جدر البطاطا ” لإطعام زوجها المريض الذي يشتهيه وهذه المشهدية السردية والسينمائية تعكس حالة دراماتيكية معبرة عن ثنائية الفقر والحرمان وكذلك القهر من قبل الأقوى والأكثر بطشا سواء كانت الحرب في الرواية والجنود المتقاتلين أو صحاب الأرض في فيلم الحرام .
كذلك في مشهد تكور براء على نفسها تحت الفراش في الفصول الأولى بعد الاستحمام مقاومة ذلك الشعور النابض فيها بالاحتياج العاطفي للزوج وكبته نظرا لحالة الزوج النفسية السيئة وعزلته والمقابلة بينه وبين ذلك المشهد السردي في الفصول الأخيرة التي تستلقي فيه براء عارية بلا حياء حتى مع مشاهدة صاحبتها عاملة الحانة لها يناظر حالة الفتاة التي تغيرت أيضا في فيلم V FOR VENDETTA قبل الخطف من قبل البطل وبعده وبعدما مارس عليها كل أساليب التعذيب والخوف حتى تحولت من الفتاة الرقيقة الخائفة إلى فتاة قوية لا تهاب شيئا وكأنما يطرح العملين تسائلا مهما هل للحرب وويلاتها وجه مشرق ؟ هل كثرة القسوة والعنف تكسب الأنسان نوعا من القوة والصلابة واللامبالاة ؟ هل تصهر روح الإنسان وتعيد تكوين مبادئه ومعانيه من جديد ؟ ونجد ا أن إجابات تلك الأسئلة موجودة على مدار السرد والعرض للفيلم .

كذلك تناصت الأعمال الثلاث في كون البطلة إمرأة ف البطولة أنثوية بإمتياز وكانما الفن السردي والسينمائي يكرم دور المرأة العظيم ومدى تحملها لويلات الحروب ربما أكثر من الرجال فهي الأضعف وهي في ذات الوقت المطالبة بمنتهى القوة لتحل محل الرجل المقاتل وتقوم على أولادها وأهلها وكل من هم تحت رعايتها فلا وقت للراحة ولا حتى للمرض والشعور بالتعب .
كذلك أفاد التناص المذكور في حالاته المختلفة وفي الأعمال المتعددة التأكيد على عبثية الحرب وشعور الإنسان بالعدمية في ظلالها نظر ا لشعوره الهائل بالضعف والقهر .
كذلك إتفاق الأعمال المقدمة عن الحروب على تأكيد تلك المعاناة بصور وقصص مختلفة يؤكد على واقعية الطرح وغ إن كان الإبداع انطلق من المنطقة المتوترة بين الواقع والخيال .
وهناك الكثير من الشواهد الواقعية الآنية التي تؤكد واقعية الطرح الفني على سبيل المثال غزة والسودان ورحي الحرب المجنونة في كليهما .
ليصل بنا الكاتب إلى نتيجة مهمة يؤكد عليها أن كل من القاتل والمقتول مقتولان سواء كانوا أمواتاحقيقة أو كانوا على قيد الحياة وأصيبوا بالإغتيال المعنوي .
ولنتحدث عن المرأة عند ا. مصطفى البلكي فنجد أن الأم العجوز وبراء في سبع حركات وحميدة في بيت العدة والكرباج ونفيسة البيضاء في روايتها كلهن جسدن شخصية نسائية تتميز بالقوة الأنثوية في أقوى صورها تلك القوة التي تتمظهر في مفرداتها مثل قوة التحمل الذكاء سعة الحيلة الغواية والطبخ .. وليس القوة الذكورية بأخذ مكان وصفات الرجل ..فنساء البلكي كلهن رقيقات جميلات حالمات مسالمات فإذا ما وقعنا في عين الأزمات تحولت لشرسات قويات تبنى على أضلاعهن المنازل والمدن.
وهذا العنصرالمفصلي في أعمال الكاتب يستحق دراسة مستقلة ودقيقة بمفرده .
ومن الملامح الانثوية التي صاحبت صيرورة الأحداث المرآة المعادل الموضوعي لحالة براء بطلة الرواية والتي تعكس التغيرات الفكرية والشكلية التي تمر بها بدءا من الغلاف وحتى النهاية .
كذلك نجد أن هناك تناصا بين البراء وصاحبتيها المكتنزة وعاملة الحانة
وبين صاحبي السجن في قصة سيدنا يوسف .
وكذلك الرجلين اللذين صلبا فوق الجلجثة تبعا للرواية المسيحية
وهذا يجعل من براء المعادل الموضوعي لأزمة كل من النبي يوسف والنبي عيسى في تعبير رامز عن قسوة الأرض مع كل ما يمثل البراءة لتكون براء هي معنى الاسم وتجسيده في مواجهة القسوة والحرب .
ختاما الأ نسان هو الذاكرة ومحو ذاكر ة الأنسان والأماكن ذنب لا يغتفر عن د مصطفى البلكي الذي يجري التاريخ بين سطوره سيالا حتى وإن كان لا يكتب مايستند لوقائع تاريخية ذلك التاريخ الذي تمظهر بقوة في معناه الإنساني والتفكيكي متجليا في الصراع بين الثنائيات الضدية على مدار السرد بين (الحب /الكراهية ) (السلم /الحرب ) (العزلة /الصخب) ( الألم /الدعة) ( الموت /الحياة )ليؤكد أن التاريخ يسكن قلم البلكي وذلك لإيمانه أن الإنسان بلا ذاكرة ولا تاريخ لا يساوي شيئا كورقة سقطت في فصل الخريف تتقاذفها الرياح بلا هدى .

تمت بحمد الله

الحرب ما بين الأدب والسينما قراءة تفكيكية لرواية "سبع حركات من القسوة " للكاتب الروائي القدير د.مصطفى البلكي
Comments (0)
Add Comment