بقلم/ مروة الجندي
استخدم العديد من المفكرين مصطلح ما بعد الحديث post – modern للإشارة إلى التغيرات التي شهدتها الحضارة الغربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية , والتحول من المجتمع الصناعي إلى مجتمع المعرفة والمعلوماتية أو مجتمع مابعد التصنيع post – industry الذي ظهرت فيه المنظمات الضخمة والشركات عابرة القارات والمجتمعات التي سادت فيها التكنولوجيا والالكترونيات , والتحول من المعرفة النظرية إلى التطبيقات العلمية التكنولوجية أو ما نطلق علية( الحتمية التكنولوجية ) والتي ساعدت في تحويل العالم إلى قرية صغيرة.
وحول تعريف مصطلح مابعد الحداثة في الفن التشكيلي
يقول روبرت اتكينسR-Atkins أنة التحول من الحداثة إلى مابعد الحداثة في الفن التشكيلي , وتتميز الأعمال الفنية في تلك الفترة بإعادة قراءة الموروث الفني للحركات الطليعية في بداية القرن العشرين , وقد بدأ استخدام المصطلح مع بداية السبعينيات, ومع التحولات التي ظهرت منذ نهاية الستينيات في حركة الفن التشكيلي العالمية , تم القضاء على الجمالية الموروثة والمرتبطة بفكرة الشكل , واحل محلها واقع جديد للعمل الفني يستمد جمالياته وقيمة من المجتمع الذي أصبح يتميز بالتغير السريع وعلى هذا لم يعد العمل الفني كمنتج مبتكر قادر بحد ذاته على التعبير عن تلك المقومات الحضارية الجديدة , فظهرت اتجاهات فنية تصيغ جمالية فنية جديدة و وتهدف إلى التواصل مع المجتمع بكل متغيراته، وبذلك تغيرت وجهة نظر الفنان في فترة مابعد الحداثة في كل ما كان يعتبره من المسلمات سواء على مستوى المعايير الجمالية أو الموروث الأكاديمي، ليصبح الفنان في فترة مابعد الحداثة يحاول إن يكتشف ما يمكن أن يفعله عندما يكون الفن محل للبحث , كما أصبح الفن يمر بعملية ابتكار لغة جديدة للتواصل بين الفنان والأحداث الاجتماعية , وتم نبذ الفكرة القديمة المرتبطة بتعريف ( الفنان ) على أنة منتج مستقل يقوم بإنتاج عمل فني ليباع إلى تاجر لوحات , كما أصبحت هذة الفكرة مثال قديم لسوق الفن التشكيلي، ومن هذا المنطلق أصبح الفنان يزيل الحواجز بين فروع الفن ليصبح العمل الفني مجال تأمل عقلاني, ويصبح مجال وموضوع للتساؤل حول الفن ووظيفته في المجتمع، كما تغيرت الفكرة القديمة المرتبطة بالعمل الفني, فأصبح العمل الفني فعل ناقد ومنشط ثقافي, بعد أن كان انطباع بصري يستجيب إلى حاجات وجدانية للإنسان، وبذلك تم الخلط وإزالة الفواصل بين مجالات الفن التشكيلي من رسم – حفر – تصوير – عمارة وغيرها, ليتحول العمل الفني إلى استعراض سمعي بصري حركي، وتعددت الأساليب وتداخلت المعايير الجمالية وصار التجديد هدف بحد ذاته , وعلى هذا الأساس هجر الكثير من الفنانين صالات العرض التقليدية وتجار الفن واتجهوا إلى الطبيعة مثل فنون البيئة وفن الأرض
ومن أهم المتغيرات التي حدثت في فترة مابعد الحداثة , هو التغير في المعايير الجمالية المتوارثة في الفن التشكيلي فلم تعد المعايير الجمالية تسير وفق معيار ثابت محدد ومعد من قبل النقاد كمقياس وحيد للفنون, فتعددت المعايير الجمالية والتي أصبحت تأخذ مبادئها من الفن ذاته، فأصبحت هناك معايير اجتماعية – تاريخية – حضارية – أخلاقية إلى جانب المعايير والأبعاد التشكيلية والفنية.