كتبت/ سالي جابر
لافتة مصرية على جانب الطرقات تقول لك” هديء السرعة” تجنبًا لحوادث الطريق، ولإننا مغرمين بحب الوطن ونعشق ترابه نهديء السرعة حتى ندفن على أرضه ونتحلل به، أما عن الحوادث فنحن لا نعلم هل لأن الطرقات ليس ممهدة جيدة للسير على جنباتها، أم أن الرخصة التي استخرجت كانت من مكتب السجل المدني، أم لقدرة السائق الفائقة في اجتياز حصانه الممرات، أو عبور البراميل، ونجد هناك فوق البرج من يصفر كثيرًا وكأنه يقف وسط النجيلة الخضراء ودقيقة ويخرج من جيبه الكارت الأصفر، بينما وسط الرمال الصفراء والمياة الزرقاء إما تنجو أو يأكلك السمك وتتحلل داخل الماء؛ حبًا في الوطن أيضًا … ما أجمله هذا الوطن الذي يحمي مواطنيه بصافرة !
وعجيب أيضًا أن يكون التأمين على حياة الفرد اختياريًا والتأمين على السيارة إجباريًا.
المواطن يخرج من بيته كل يوم تقريبًا لمدة لا تقل عن سبعة أيام بين المكاتب والإدارات ليقوم بعمل تأمين صحي ينقذه من الموت مرضًا لكنه يموت وسط الزحام في طوابير الورق، كل موظف يطلب منك ورقة بعينها من مكان محدد، فتجوب أرضًا وجوًا بحثًا عن تلك الورقة، وتعود إليه ليتذكر أنه نسى دواء ( الأوميجا 3) ولهذا نسي أن يخبرك بالطوابع، وتغدو صباحًا لتصيح بين المكاتب بحثًا عن طايع بعينه وتحمد الله، لتتفاجىء بإلزامك بختم ورقك، وهنا ترقد على السلم لم تعد ساقاك قادرين على حملك، وتضع رأسك بين يديك تستغفر،. ليأتي العامل بصوت جهوري” أفسحوا الطريق لا يستطيع أحد الصعود والنزول” فتمسك بتلابيبك ويد الرجل الذي يجاورك، ومساعدات أخرى لتتحرك خطوة واحدة، تذهب إلى بيتك طبعًا فقد حان وقت انتهاء المواعيد الرسمية للموظفين، ثم تعيد الكَره في اليوم الثاني لكن معك زجاجة مياه وساندوتش يقيك عصبية الموظفين واستنفارهم كونك لا تفهم اللوغاريتمات وهندسة فيثاغورث، الذي لو كان بيننا لقدم استقالته ورحل… تقف طوابير ليست كثيرة – الحمد لله- ولهذا بقيت في هذا المكان واقفًا على قدميك لمدة ثلاث ساعات فقط- اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال- وبعد ساعة ونصف تسمع اسمك فتبدو على ملامحك السعادة ولكنها للأسف سعادة كاذبة، يندهون عليك لتصوير الورق. وبينما أنت شارد في طبق الغداء الذي تعده زوجتك اليوم ولا تعلمه فتبتسم فهي تعلم كم تعبك لتلك المشاواير المملة الملغمة بالبغائض، تلمع عينيك حزنًا لأن جيبك أصبح خاويًا لكثرة طلبات الدولة للحصول على دفتر التأمين، ثم وبعد وقت مر عليك كاللحظة التي يفكر فيها الطيار ماذا يفعل عند حلول العاصفة، وهي لحظة تحسب بمقياس ريختر وليس بساعة اليد، تسمع ضحكات كئيبة، وترى حينها رجلًا يقول للموظف” شهادة وفاتي أنا” يتحدث الرجل وشفتاه تضحكان وثغره منفرج وعيناه شاردتان يتمنى تلك اللحظة التي يرتاح فيه من تلك المنغصات ليكتشف الموظف خطأ في الدفتر بينه وبين رجل آخر، وأخيرًا وليس آخرًا تسمع اسمك وتصعد السلالم بلهفة وتأخذ دفترك بشموخ المنتصر في المعركة ضد بني قريظة وتسلم على من حولك وتأخذهم بالأحضان وبعيون دامعة تقول (خد بالك من نفسك يا عم أحمد وخد علاجك في مواعيده، ودي بنتك للدكتور يا أم أحلام الحساسية وحشة، أكتب لي يا بني عنوان عيادة دكتور العظام… هتوحشوني نتقابل التجديد الجاي إن شاء الله) وتسمع أغاني( والله وعملوها الرجالة، وبالأحضان يا بلادنا يا حلوة، وراجع لبيتي ولسريري….)
عزيزي المواطن (ع) لقد نفد رصيدكم وأنت الآن على خاصية (اسمع الكلام وهترتاح أوام) ولا نعلم ماذا تعني تلك الكلمة! هل الراحة الأبدية تحت التراب أم يحسنون بنا صنعًا ويوفرون على مريض عاجز فقير هذا البلاء.