بقلم / علي شعــــلان.
يسترجع مرةً أُخري الشاب “حلمي البسطاوي” حياته وهو بمقتبل عمر البلوغ. تتآتي الحنين عنده شوقاً في ذكريات الصبي وهي مجانية يعيشها ويتمتع بها _ لكنها مدفوعة الحساب مُقدماً بين كد العيش لأبيه وشق نفيس التربية لأمه _ عائشاً للهو، اللعب والعبث فقط.
فإن أردت إثقال حموله هماً وكمداً ردد له عبارات : ” الدراسه أهم، قم ذاكر، ألتزم بدروسك الخصوصية،…. إلخ”.
بغض النظر أنك لم تسمع بتاتاً من ترديد هذه العبارات (كيف حالك مع المدرسة أو منظومتها بِرُمتها اليوم أو تأثيرها في شأنك كل يوم ! ).
حيثُ هذا هو المطالب به “حلمي” ورفقاء جيله من متاعب الحياة، وما دون ذلك من توفير المأكل والمشرب والملبس وما شابه من مشاغل الحياة الكريمة، فتقع على عاتق الأبوين فقط. يتحملونه فُرادي مهما طرأ عليهم من أعباء مالية أو حياتية، أو تعويمات لاحقة تُصيبهم أو تلاحقهم كملاحقة الوحوش لفرائسهم في البرية.
في عام ٢٠١٦،تحديداً في الربع السنوي الأخير،
شهدت مصر هزة مالية وجيبية (إشارة إلى جيوب المصريين) أثر ما يُسمي بالتعويم (تخفيض) العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية الأُخري. وبالمنطق العام الشامل فهي إصلاحات إقتصادية أو مالية في فترة عصيبة تمر بها الدولة المصرية آنذاك.
وبين محاولة إستيعاب الأمور للفتي وبين تفقيه الوالدين له، فطن منهم عن السبب لإرتفاع أسعار المنتجات والسلع الغذائية كلها. على هيئة أسئلة بريئة فطرية بحتة
” لماذا أرتفعت يا بابا أسعار الحاجات كلها بالشكل ده؟! “.
وكان توضيح الأب السبب في كذا وكذا (إشارة إلى التعويم ومضاعفة أسعار السلع لأن إستيراد هذه السلع بالعملة الصعبة).
تقبل الفتى الفكرة على مضض بشكلٍ عام،
وإن إعتراه الغضب حين يستمتع بشراء الحلوى وتسعيرتها تزداد. لكن لا يُبالي، فالمسؤول
هو الوالدين، وإن إشتهي شيئاً والمصروف لم يسعفه؛ تنفذه -مشكورين- رغمات حب الوالدين.
بطنطنة أُذُن دافعة ((الضني غالي وبغددة الأبناء واجب مقدس إتجاه الآباء !!)) .
في إحدى الأيام التالية، مرَّ الصبي على محل بقالة بجوار إحدى السناتر التعليمية الذي يدرس بداخلها، وقام بشراء زجاجة مياه صغير ثمنها قبل التعويم جنيْهيْن اثنيْن فقط.
فأعطي للبائع ٥ ج ليسترد ثلاثة جنيْهات كما هو متوقع من الفتى الساذج، وإذا به بتفاجئ بالباقي وهو اثنان ونصف فقط، متسائلاً مُستعجباً مُستثار دهشةً :
“هو سعر المياه زاد أو بيزيد؟!”.
فرد البائع مُستنكراً من بلاهة الفتى وسذاجته :
“اه. زادت زي أي حاجة تانية.”
بالرغم من إخبار الوالدين له، مواقف يومية وإحتكاك بالشارع هي أمور أدركها الفتى اليافع
إلا أن برائته حينها، تفكرت أن كل شئ يزيد إلا المياه، فهي شريان الحياة، هي الوجود، هي التمثيل المادي الوحيد في هذه الدنيا لمفهوم (المجانية) كما أعتقد المسكين .
إفطن!. إن ذهبت إلى أي مكان، جلست على مقهى، طلبت من الغريب وإحتجت في أي وقت
فتحصل على شربة مياه فوراً كما تشاء انت حتى التخمة لا الإرتواء.
كُل هذا جعل الصغير مُستنبطاً أن زجاجات المياه لا تزيد فهي ثابتة كثبات المياه العكرة في بِركتها مُستنكراً من أي تسعير إضافي لها حتى إصطدم بزيادة مقدار ٢٥٪ مرةٌ واحدة ! .
وبين مرور السنون، تراكم الخبرات الأكاديمية والميدانية ل”حلمي” ونشأته على الإطلاع والدراية بالشأن العام المصري والعربي على يد كوكبة من نخبتنا المصرية الأصيلة؛ لتفتح له آفاق جديدة حول “معركة الوعي” ومعاني الحياة ودروس الإقتصاد والتضخم
ولماذا تزيد براميل النفط والماء وتنقص.
فكان على رأس قائمة نخبتنا معالي الوزير “رضا عبدالسلام” محافظ الشرقية الأسبق والأستاذ الجامعي بكلية الحقوق جامعة المنصورة .
أسترسلنا معه فهماً بأسس علمية مُبسطة عن أسباب المشكلات الإقتصادية والعامة ببلدنا الحبيبة بل وأطر الحلول المُقدمة مع السرد في قالب واحد.
وقد نوْه سيادته أن إرتفاع تكاليف مُدخلات الإنتاج وتحريك أسعار وقود السولار هما رأسا حربة التضخم في الإقتصاد المصري وسرد حلوله الكثيرة والمتنوعة.
لكن حالياً يبقى التساؤل هل فطرة الشاب
وبرائته سابقاً عن حال المياه مازال قائم أم مضى قدماً ؟.
قطعاً مضى مُضيّْاً شاسعاً فراسخ لا أقدام،
وُهنا أستشعر الشاب بأهمية أهل العلم والكفاءة وحلولها عن كيفية تثبيت سعر زجاجة المياه بل وكيفية تقليل سعر الزجاجة إلى قروش!.
بالنهاية يبقى حلم الشاب حاضراً -ولا مستقبل إلا بالإنسان الحالم- ما بقيت الرحمة والتكافل المجتمعي والإنساني.
رحمةً بحلم الشاب أن يعود كل شئ جميل مُتضمن فيها شربة الماء بمفهومها الإنساني الشمولي .
رحمةً بكفاءات بلدنا وهم كُثُر أمثال السيد “رضا عبدالسلام” وآخرين.
فكما رأينا حلولهم النظرية، فكم وددنا تطبيقها عملياً على أرض الواقع، بالحصول على فرصة الإدارة والمشورة بنظام الحكم ؛ ليعينوا قياداتنا السياسية – حفظها الله – على حمل هذا البلد الثقيل.
ورحمةً بكل أسرة مصرية لديها فلذة أكباد
مثل”حلمي وأخواته” قابعة على حمل همومهم وشقاوتهم…قولوا آمين !.