للباحث/ سليمان عبد النبي من الهوارية
متابعة/ عبدالله القطاري من تونس
ممّا حدّثني به والدي عن جدّتي عن أسلافها في قديم الزمان،
أنّ ملكا فينيقيا له بنتا مريضة بالرّبو (الفدّة)، فتّش لها عن دواء في كل مكان وجلب لها أمهر الأطباء من كل الأصقاع، لكن دون جدوى.
إلى أن نصحه أحد الحكماء بأن الجو لا يلائم الأميرة وهذا سبب علّتها، فخرجت الأميرة تسعى وهي محاطة بجنود والدها وحاشيتها لعلّها تعثر على المكان الذي يلائم مرضها، إلى أن وصلت إلى الهوارية، حيث الطقس المعتدل والهواء العليل، فأحسّت بالراحة ولم تعد تحسّ بمتاعب الربو.
وحين سمع الملك بذلك قال : لأطلقنّ على هذا البلد ”هواء للريّة” فكانت (الهوّارية)، ولأشيدنّ قصرا للأميرة هناك، فكان قصر أدار ومحرس أدار…
ثمّ إنّ أحد الملوك طلب يد الأميرة الفينيقية إلّا أنّ والدها رفض، فما كان من هذا الملك المتغطرس إلّا أن حطّم السدّ الواقع بين المغرب وإسبانيا، فآرتفعت نسبة المياه بحوض البحر الأبيض المتوسط، وغرقت عديد المدن والقرى الساحلية ومن بينها الهوارية القديمة.
وبما أنّ الأساطير لا تعترف بالزمان وتقفز من مكان إلى مكان، نجد بعض الأساطير التي قد تكون لها علاقة بما حدث للمدن الساحلية التي غرقت في البحر…
الأسطورة الرومانية :
بعد سقوط قرطاجة عام 146 ق.م، أطلق الرومان على مضيق جبل طارق إسم أعمدة هرقل (Pillars of Hercules) ، نسبة إلى هرقل بطل الميثولوجيا الإغريقية، وتقول الأسطورة بأن هرقل قام بشقّ الجبلين المتلاصقين بين المغرب وإسبانيا حاليًا وهما جبل كالبي بالمغرب وجبل أبيل بإسبانيا كي يواصل رحلته وكي يصل مياه البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي.
وعَبَدَ الروم الإله هرقل في أضرحة كان يُعتقد أنها بُنيت على صخرة جبل طارق وكانوا يسمّونها ”مونس كالبي” أي “الجبل الأجوف” وتعتبر من إحدى أعمدة هرقل.
و يبلغ عرض مضيق جبل طارق 15 كم وتشرف عليه الصخرة المقسومة إلى نصفين وكان يعتبر حدّا للعالم القديم.
يبدو أنّ الفينيقيين كانت لهم أيضا أسطورة مشابهة، وكانوا يطلقون على المكان
”أعمدة ملقرت” ، و”ملقرت” هو أحد كبار الآلهة الفينيقية، وهو إسم مركّب من كلمتين : “ملك ـ قرت” أي ملك القرية.
وتجدر الإشارة أنّ الفينيقيين استوطنوا جبل طارق قبل منذ عام 950 ق.م
كما نجد قصّة أخرى عن الإسكندر المقدوني قد تكون لها علاقة بما خلّدته الذاكرة الشعبية الهوارية، وقد ذكرها الشريف الإدريسي في كتاب ” نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ” الإقليم الرابع/الجزء الأول، وهذا نصّها :
” والبحر الشامي فيما يحكى أنه كان بركة منحازة مثل ما هو عليه الآن بحر طبرستان لا يتصل ماؤه بشيء من مياه البحور وكان أهل المغرب الأقصى من الأمم السالفة يغيرون على أهل الأندلس فيضرون بهم كل الإضرار وأهل الأندلس أيضاً يكابدونهم ويحاربونهم جهد الطاقة إلى أن كان زمان الإسكندر ووصل إلى أهل الأندلس فأعلموه بما هم عليه من التناكر مع أهل السوس فأحضر الفعلة والمهندسين وقصد مكان الزقاق وكان أرضاً جافة فأمر المهندسين بوزن الأرض ووزن سطوح ماء البحربن ففعلوا ذلك فوجدوا البحر الكبير يشف علوه على البحر الشامي بشيء يسير فرفعوا البلاد التي على الساحل من بحر الشام ونقلها من أخفض إلى أرفع ثم أمر أن تحفر الأرض التي بين بلاد طنجة وبلاد الأندلس فحفرت حتى وصل الحفر إلى الجبال التي في أسفل الأرض وبنى عليها رصيفاً بالحجر والجيار إلى إفراغاً وكان طول البناء اثني عشر ميلاً وهو الذي كان بين البحرين من المسافة والبعد وبنى رصيفاً آخر يقابله مما يلي أرض طنجة وكان بين الرصيفين سعة ستة أميال فقط فلما أكمل الرصيفين حفر للماء من جهة البحر الأعظم فمر ماؤه بسيله وقوته بين الرصيفين ودخل البحر الشامي ففاض ماؤه عليه وهلكت بذلك مدن كثيرة كانت على الشطين معاً وفرق أهلها وطغا الماء على الرصيفين نحو إحدى عشرة قامة، فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في أوقات صفاء البحر في جهة الموضع المسمى بالصفيحة ظهوراً بيناً طوله على خط مستقيم والربيع قد ذرعه وقد رأيناه عياناً وجريناً على أصوله بطول الزقاق مع هذا البناء وأهل الجزيرتين يسمونه القنطرة ووسط هذا البناء يوافق الموضع الذي فيه حجر الأيل على البحر وأما الرصيف الآخر الذي بناه الإسكندر في جهة بلاد طنجة فإن الماء حمله في صدره واحتفر ما خلفه من الأرض وما استقر ذلك منه حتى وصل إلى الجبال من كلتا الناحيتين”.
ملاحظة : الأسطورة ذاكرة الشعوب وهويته حتى وإن كانت خيالا بعيدا عن الواقع وحقائق الأمور.
سليمان