من ذكريات رمضان : طبّال رمضان

من تحقيقات/ شفيق بن بشير الغربال من صفاقس
متابعة/ عبدالله القطاري من تونس
انقرضت مهنة طبال رمضان في بلادنا أو تكاد تنقرض لأسباب معلومة : انتشار المنبهات الألكترونية و السهر الى وقت متأخر من الليل و اختفاء الحاجة الى امتهان الطبال شهرا من الزمن ذلك أن الطبال كان محتاجا لخوض هذه المغامرة لتأمين دخل محترم نقدا أو عيّنيّة . وما يعنيني في هذه التدوينة هو تذكار مشهدية الطبال ونحن في زمن الطفولة ووقعها في نفوسنا آنذاك ووقع استرجاع المتعة الغابرة ونحن في هذه السنّ .
كان لكل منطقة طبال معين ومعه مرافق عادة ما يكون كاتبا قارئا . يظهر الطبال ومرافقه قبل رمضان بمدة قصيرة ومعه مرافقه ويمرون بالبيوت المنتمية لدائرة تسحيرهم لتسجيل أسماء الذكور حسب العائلات وثمة احتمال لتعديل القائمة من عام الى آخر بالزيادة أو النقصان بالولادة أو الوفاة أو ربما السفر الطويل . وكان يمنع تسجيل أسماء الإناث و ذكرها في التسحر لأن في ذلك عيبا . و من الطرائف أن الإناث يحرصن على نيل نصيبهن من التسحيل في الكراس و مناداتهن في موعد السحور بتحوير أسمائهن إلى أسماء ذكور مثلاحميدة تصبح محمد و سامية تصبح سامي إلخ . و حين يمر ّ الطبال ببيت فيه أسماء إناث محولة الى أسماء ذكور يعم الضحك و ينتشر المرح لانطلاء الحيلة على الطبال الذي لا دخل له في ما يجري داخل البيوت .
طبال رمضان في صفاقس لا يستعمل طبلا بل يستعمل طبلة وهي( آلة إيقاع ذات وجه واحد من جنس التفارات وهي صغيرة الحجم _ من معجم الكلمات والتقاليد الشعبية بصفاقس للدكتور علي الزواري والأستاذ يوسف الشرفي) .وفي أماكن أخرى من بلادنا ومن البلاد العربية يسمونه بو طبيلة و المسحراتي .
صوت كنا نصغي إليه في بيوتنا ونستمتع به .وعندما أصبح رمضان في الخريف من أوائل السبعينات من القرن العشرين كنا نخرج لنراه ونسمعه عن قرب و يتمكن أكثرنا جرأة من النقر على الطبلة و مناداة بعض الأسماء وختلاق أسماء وهمية أحيانا وكنا نرافقه في الجوار قليلا دون أن ينهرنا ما لم نقلل أدبنا معه . رأينا مرافقه يمسك بيد كراسا وبالأخرى مصباح جيب ويقرأ الأسماء حسب كل عائلة . كنا نندهش من حفظهما لأهالي المنطقة التابعة لهما زنقة زنقة وبيتا بيتا دون خطإ يذكر .
ماذا يقول الطبال في مناداته ؟
لكل طبال لغته وأسلوبه . وهو عادة ما يعتمد على السجع والتوقيع القريب من النفس بصوت جهوريّ يقطع سكون الليل وينشر الأمان ويوقظ النائم وينبه الغافل . يكون صوته مألوفا وانتظاره من مكملات شهر الصيام . هذا الذي يتحمل مسؤولية إيقاظ الصائمين للسحور لا تخلو مهمته من مخاطر في زمن لم تكن الأماكن مضاءة بالتنوير العمومي ولا آمنة من الكلاب السائبة و قطاع الطرق .
وتمضي عقود و يأتي رمضان في الخريف ثم في العطلة الصيفية و يبدأ دور طبال رمضان يتراجع لطول السهر وبلوغ وقت السحور دون حاجة الى طبال . وتغيرت النظرة الى الطبال بعد اندثار جيل الكبار منهم و ظهور جيل أرادوا أخذ المشعل عنهم بلا روح لا همّ لهم الا جمع المال يوم العيد .
أجرة طبال رمضان:
موعده صباح عيد الفطر المبارك بعد شقان الريق وأكل الشرمولة والحوت المالح . كنا ننتظره لنراه في ضوء النهار بشحمه ولحمه هو ومرافقه وبطبلته و نستمع الى ترديدته الخاصة بيوم العيد في سجع ساحر البيان بلهجة دارجة خلابة ( الداير إن شا الله ..كل عام وأنتوما بخير ..ربي يحّيكم لأمثالو .. إن شا الله مالعايدين الفايزين وعند ربي مكرّمين ويرزق الأحياء ويرحم المرحومين ) .والخقَّ أقول كان الناس كرماء معه يخرجون له مع الصغار نقودا أو حلويات أو نقوظا وحلويات .كل قدير وقدرو . المشهد الذي لا يزال يمثل أمامي وأنا طفل صغير هو مشهد طبال ضرير مرفوق بحفيده . كان الشيخ يركب حمارا وعلى جانبيه زنبيل وهما ( قفتان متوسطتا الحجم ملتقيات بنفس النسيج .والزنبيل من الحلفاء لا عُرى له . يوضع على ظهر الحمار …_ من المصدر السابق) . يوجد بكل قفة قزدريتان تخصص كل واحدة لوضع صنف من الحلويات ( ڨطّو _ مقروض درع _ حمصية_ كعك أو مقروض أبيض …) وكأنّ صحيفة رمضان تطوى برحيل الطبال عن البيوت صبيحة العيد . ! وكما يقولون ” الداير إن شا الله ..ويا سعد من فعلو خير .. رمضان يرجع والله أعلم نرجعو والا ما نرجعوش ..”

بقلمي : شفيق بن بشير غربال

من ذكريات رمضان : طبّال رمضان
Comments (0)
Add Comment