د. فرج العادلي
كان من الممكن أن يُحيي الله قتيل بني إسرائيل من غير ذبح بقرة،
لكنه سبحانه وتعالى أراد أن يُعلِّم الناس أن إدراك فضله، ورضاه، واستجابته لخلقه تحتاج إلى أمور:
الأول: فعل الواجب، وهو كل ما أمر الله تعالى به، واجتناب ما نهى عنه. لذلك أمرهم بالذبح، وعليهم أن يطيعواه.
الثاني: التضحية، والبذل في سبيله. لذلك أمرهم بذبح بقرة، وليست كأي بقرة، بل من أطيب وأجمل وأحسن البقر على الإطلاق، والنفس تتعلق بالجميل وتُسر به، ويصعب عليها بذله والتضحية به، لكن يجب أن يكون هذا هينا إذا كان لله تعالى.
الثالث: نفع اليتيم.
الثالث: عناية الله بالأطفال الصغار، وأنه سبحانه يسبب لهم الأسباب ليرزقهم، لعجزهم عن تحصيله، وأن الرزق يمكن أن يأتي بغير سعي، لكنَّ السعي واجب في حق القادر عليه.
الرابع: أن الضحية بالقليل ليس فيه تعظيم وتقدير لمن تُطلب منه العطية وتنتظر منه الهديا حتى بين البشر وبعضهم فانظر كيف نتعامل مع الله في عطايانا.
الخامس: أن المحيي والمميت هو الله تعالى، وأن الأسباب لا أثر لها، ولكنها مطلبٌ من مطالب الشرع لا تترك أبدًا.
وفي القصة أيضا تأويل آخر عجيب.
أن على الإنسان أن يذبح نفسه من الشهوات الكاسحة الجارفة، وأن أجود وقتٍ لفعل هذا، حينما يكون الإنسان (عوان) ومعنى عوان أي وسط بين شيئين، فيكون الرجل عوان حينما يترك سن الصبا والمراهقة، وقبل أن يدخل سن الضعف بالكبر والشيخوخة، فهذا أجمل سن وأفضل حال للمرء، وبه يَعجب الناس ويُسرون به، ويُعجب هو بنفسه ويسر بها، لأنها في وقت الكمال، فيكون هذا أفضل وقت لذبح النفس من الطمع، والشره، والعُجب، وغيره من أمراض النفس والقلب، ولذلك عبر بلا (شية فيها) أي مُسلَّمة من قبح الصبا ورعونته، وضعف الكبر وشيخوخته كما سلف.
والله أعلم
جولة في بعض أمهات الكتب