بقلم _سالي جابر
كانت الكلمات قليلة لكنها مُربكة، مخيفة، تعلو وكأنها سياج منيع، في ظل الشمس التي توشك على الذهاب والأشعة البرتقالية التي رغم جمالها إلا أنني أراها اليوم تهبط خلف الأمواج وتنير السماء بالشفق الأحمر فتزيد اللهب القائم بين الضلوع، حتى البحر رغم سكونه وصوته الذي كان في يومٍ من الأيام زجير هاديء كوسيقى الروح الذي تخلد كلماته حانية عند الغضب، اليوم صار زجيره مخيف يبعث في الداخل معنى الفقد، وكأنني فقدت هنا أحد… لقد تركت على شاطئه ما في جعبتي ورحلت، لكني ما كنت أعلم أنني تركت معه قلبي .
اليوم أنا هنا أمامه، أسير على رمله وأسمع حديثه دون أن يضل عقلي عما يسمعه، اليوم كل شيء خائف حتى أنا
لا أعلم من منا ترك بصمات حزنه على الآخر ! لكن كيف للطبيعة أن تخاف إلا إذا فقد الإنسان على خيراتها نفسه !
وكيف يفقد الإنسان ذاته إلا عندما يفقد من يحب، وحينها فقط نجد نسيج الشمس ودفئها رمضاء مضنية، والشفق دماء سجينة، والبحر بئر يوسف، وأنت فقط من بإمكانه أن يحملني في دلوه؛ فأرى الطبيعة الغَنَّاء على حقيقتها التي جبلت عليها.
ياعزيزي، حينما نحب نرى بديع الكون، وعندما يتركنا المحب نرى كل شيء بلون آخر، أتذكر حين قال مطران عن هواء الإسكندرية وبحرها ” أيلطف النيران طيب هوائي” وأما قال ” والبحر خفاق الجوانب ضائق كمدًا كصدري ساعة الإمساء” !
أنا اليوم هنا أجلس على نفس الطاولة التي التقينا عندها أول مرة، أتأمل البحر وأسمع زجيره، وأخاف عدم وجودك هنا.
ما الشوق إلا لحظة الإملاق، ونحن نطأ أقدامنا أرضًا حين الرحيل، يقولون أن ساعة الفراق لها أجنحة. توقفت هنا كثيرًا واليوم فقط عرفت ما يقصدون.
طوبى لمن كان بالقلب يومًا، وبين عشية وضحاها اختار أن يكون غريبًا.
سلامٌ على من بالقلب سكناه، ويرتضي على شاطيء الأمواج أن يحيا، سلامٌ عليك حين حل الشفق واقتربت ساعة الإمساء.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية