وفاء خروبة
السيده الطاهرة زينب هي ابنة أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والسيده فاطمة الزهراء ابنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنها. وهي أخت الحسن والحسين وأم كلثوم، وتزوجت من ابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي اشتُهر بالكرم والجود، حتى سُمّي «بحر الجود»، وأنجبت ستة أولاد وبنتًا واحدة». ولدت السيدة زينب حفيدة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في العام السادس للهجرة، وسَمَّاهَا الرسول صلى الله عليه وسلم «زينب» على اسم ابنته. وكانت متعلقة بأمها السيده فاطمة الزهراء تعلقا شديدا، فقد نفخت فيها من روحها الطاهرة المطهرة المباركة، وتشربت منها الحنان والجمال وتربية النبوة. وقد تزوجت من عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأنجبت جعفر وعلى وعون الأكبر وأم كلثوم وأم عبد الله. وقد التقت بجدها الرسول صلى الله عليه وسلم وفقدته وهى بنت خمسة أعوام، وعاصرت خلافة كلٍّ من أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، ووالدها الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم جميعاً. شهدت السيده زينب رضي الله عنها مقتل أبيها، وأخيها الإمام الحسين الذي قُتل في كربلاء، كما قُتل ولداها محمد وعون، والعديد من أهل البيت، وتمّ أسرها وإرسالها إلى يزيد بن معاويةفي الكوفة بعد المعركة، فقال للسيدة زينب: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم، فترد عليه رضي الله عنها بشجاعة وتقول: “الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه صلى الله عليه وسلم وطهرنا من الرجس تطهيراً، إنما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق، وهو غيرنا”. ويرد عليها ابن زياد مغتاظاً: كيف رأيت صنع الله في بيتك وأخيك؟ فقالت رضي الله عنها: “ما رأيت إلا خيراً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلح يومئذ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة”. فقال: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك والعصاة المردة من أهلك. فترد رضي الله عنها: “لعمري قد قتلت كهلي وأبرت أهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي، أيشفيك هذا فقد اشتفيت”. فقال في غيظ: هذه سجاعة، لقد كان أبوها سجاعاً شاعراً. فقالت رضي الله عنها: “يا ابن زياد، ما للمرأة والسجاعة، وإن لي عن السجاعة لشغلا وغنى، وإني لأعجب ممن يشتغل بقتل أئمته ويعلم أنهم منتقمون منه في آخرته”. ويأمر ابن زياد بإعادة السيدة زينب ونساء آل البيت إلى المدينة المنورة. وفي المدينة أخذت السيدة زينب تخطب في الناس، وتكشف حقيقة ما حدث في كربلاء، فهيجت المشاعر وألهبت الجماهير على بني أمية، فاستنجد والي المدينة بيزيد بن معاوية خوفاً من غضب الناس، فأمر يزيد أن تغادر السيدة زينب المدينة المنورة إلى حيث تشاء، ماعدا مكة المكرمة، وذلك فى عام ٦١ من التقويم الهجرى، فأبت فى أول الأمر وقالت «أأترك بلد أبى وجدى»، فقال لها عبد الله بن عباس «يا ابنة بنت رسول الله، اذهبى إلى مصر، فإن فيها قومًا يحبونكم لله، ولقرابتكم لرسول الله، وإن لم تجدى أرضًا تسكنيها هناك، فستجدين قلوب أهلها وطنًا». اختارت السيدة زينب مصر لتقيم فيها، لتكون أول نساء أهل البيت اللاتى شرفن أرض مصر بالمجيء إليها، ووصلت إليها فى شعبان عام ٦١ هجرية، وعلى مشارف مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، خرج لاستقبالها جموع المسلمين بالدفوف والزغاريد، وعلى رأسهم والى مصر الأموى آنذاك مسلمة بن مخلد الأنصارى، بعد الترحيب الكبير الذي لقيته السيدة زينب ومن معها، دعت دعوتها الشهيرة لأهل مصر فقالت: ” أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة مخرجا ومن كل ضيق فرجا”. وهبها والي مصر آنذاك قصره كله للإقامة فيه، لكنها اكتفت بغرفة واحدة فقط في القصر، أقامت هذه السيدة الشريفة في هذه الغرفة وجعلتها مكانا لتعبدها وزهدها، وتحولت هذه الغرفة بعد وفاتها إلى مقامها الآن، فتسمى هذه الغرفة مقام السيدة زينب. وأوصت السيدة زينب قبل وفاتها بأن يتحول باقي القصر إلى مسجد، فكان لها ذلك، وتحول قصر الوالي إلى مسجد السيدة زينب- رضي الله عنها. وأقامت فى بيت الوالى حتى وافتها المنية فى الـ ١٤ من شهر رجب عام ٦٢ هجرية، ودفنت فى بيت الوالى، الذى تحول إلى ضريح لها فيما بعد.
لقبت رضي الله عنها بــ«صاحبة الشورى» لأن كثيرا ما كان يرجع إليها أبوها وإخوتها فى الرأى. كما لقبت بــ«عقيلة بنى هاشم» ولم توصف سيدة فى جيلها أو غيره أو فى آل البيت بهذا إلا السيدة زينب رضى الله عنها. ولقبت أيضا بأم اليتامى والعواجز، ويرجع ذلك إلى أيام إقامتها بالمدينة، حيث توافد عليها الآلاف من الناس فطلبت أن تعطى الأولوية لليتامى والعواجز وكانت تستقبلهم وتؤويهم وتساعدهم. كما لقبت بــ«رئيسة الديوان»: لأنها عندما قدمت مصر وكان الوالى وحاشيته يأتون إليها وتعقد لهم بدارها جلسات للعلم فيتفهموا الأمور الدينية فى ديوانها وهى رئيسته.
من شعرها رضي الله عنها في مصر قولها :
إذا ضاقت بك الأحوال يومًا * فثق بالواحد الأحد العليِّ
ولا تجزع إذا ما ناب خطب * فكم للهِ من لطفٍ خفيِّ. رضي الله عنها وأرضاها وعن أهل البيت الكرام .