قراءة أدبية في المجموعة القصصية (الست أم هلال) للكاتبة أماني عز الدين

كتب الناقد الأدبي د/ عادل يوسف
الكتابة الجميلة التي تميزت بها أماني عز الدين في المجموعة القصصية ( أسطورة الحي الست أم هلال ) تجعل القارئ ينجذب إليها وينشرح صدره لها، يتذكر حلاوة الأسلوب وعذوبة الكلمات فيحاول استخدامها في حديثه اليومي .
يتذكر شخصيات المجموعة القصصية ، فيشعر بشعورهم ويشاركهم مواقفهم وينصت لحديثهم بكل جوارحه .
وهذا ما حدث لي بالفعل وأنا في صحبة المجموعة القصصية( أسطورة الحي الست أم هلال) للكاتبة الرقيقة صاحبة الفكر الراقي والأسلوب المميز بنت العز أماني عز الدين.
ولقد لفتت الكاتبة أماني عز الدين أنظارنا في هذه الباقة القصصية المتنوعة فمنذ بداية المجموعة القصصية نجد :
1-العنوان:
اختارت الكاتبة عنوان ( أسطورة الحي الست أم هلال )؛ ليكون عنوانا للمجموعة القصصية ،وهو عنوان لأحدى قصص المجموعة القصصية)
وهذا العنوان جاء موحيا بفكرة القصة ومثيرا لفضول القارئ ، فيجعله يطرح سؤالا مهما هو : كيف أصبحت الست أم هلال أسطورة ؟ ما الذي فعلته لتستحق هذه المسحة الأسطورية؟ وعندما يقرأ القصة يكتشف القارئ أن هذه المرأة مرت بأحداث خطيرة خارقة للعادة، يشيب لها الولدان ،وقد واجهتها وتغلبت عليها في جلد وصبر؛ مما جعلها توصف بالأسطورة .
2-الإهداء:
تقول أماني عز الدين في هذا الإهداء الجميل:
“إلى كل المعذبين ، فاقدي الأحلام ، الذين عاشوا معلقين ما بين أرض وسماء .إلى المهمشين ، وساكني الظل.
عندما نتأمل معا هذا الإهداء نجد أنفسنا أمام إهداء خاص غير تقليدي لم نعهد مثله من لا حيث الطبيعة ، و لا من حيث الوظيفة.
فقد جرت العادة أن يُهدي المؤلف كتابه إلى من له علاقة قرابة مثل : إلى والدي ،إلى ابني ، إلى أخي ، أو أحد أصدقائه. وهذه الإهداءات تكتب عادة بلغة تقريرية مباشرة لا تستحق الاهتمام ، لكن الكاتبة هنا خالفت تلك الإهداءات التقليدية وتوجهت بخطابها إلى فئات مختلفة من المعذبين وفاقدي الأحلام الذين يشعرون بالضياع والمأساة .
بلغة شاعرية غنية بالإحساس والمشاعر مثل قولها: الذين عاشوا معلقين بين أرض وسماء، الذين عاشوا أعمارهم على هامش الحياة .
كما تحمل هذه اللغة في طياتها معاني الامتنان والشكر والتقدير لكل من كان له دور مميز مع هذه الفئات الضائعة، وهذا ما يجعلنا نشعر أننا أمام عتبة نصية محكمة التأسيس وأمام كاتبة أتقنت هندسة بناءمجموعتها القصصية منذ البداية.
3-الشخصيات:
لقد قدمت لنا الكاتبة أماني عز الدين في مجموعتها القصصية ( أسطورة الحي الست أم هلال ) شخصيات حية تعبر عن زمنها وظروفها كماقدمت لنا بعض النماذج الإنسانية المليئة بتناقضات الإنسان في كل عصر وفي كل جيل مثل شخصية أم هلال في قصة ( أسطورة الحي الست أم هلال )
وشخصية رقية في قصة ( شال الجدة رقية) ، شخصية نادية في قصة
( شجرة نادية)، وشخصية جميلة في قصة (ابتسمي أنتِ جميلة).
ومن ناحية أخرى اختارت الكاتبة أسماء بعض شخصياتها بعناية شديدة حيث جاء الاسم معبرا ومتناسقا مع دوره في القصة ،كما في قصة ( حكاية الست نبية) تقول الكاتبة :
” والست نبيهة اسم على مسمى ، منذ ولدت وفي مراحل حياتها المختلفة ، كانت تملك تلك النظرة التي تنبئ عن ذكاء وفطنة ، لا يوجد موقف يحدث إلا وتجد له مخرجا إنها الست نبيهة”
4-تقنية السرد:
أهم ما يلفت النظر في المجموعة القصصية( أسطورة الحي الست أم هلال)
هو ما يشتمل عليه السرد من معلومات ومعارف في شتى مجالات الثقافة.
حيث يستطيع القارئ أن يلاحظ بسهولة أن بعض المقاطع السردية جاءت متشربة ببعض المعلومات الفيزيائية والجغرافية والتاريخية.
وحين يقرأ قصصا من هذا القبيل يستطيع أن يتلمس داخلها بصمات مفكرين عظماء من أمثال : آينشتاين ، وفرويد وغيرهم.
وعلى الرغم من أن معظم هذه القصص ذات صبغة اجتماعية، لكنها استفادت من تقنيات العلم، وتعاملت مع المادة العلمية دون تكلف أو إقحام في السرد؛ لأن الكاتبة قد استوعبت هذة العلوم وأفرزتها في حنايا القصص لتصبح ضمن نسيجها ، الأمر الذي يدفع القارئ للاستفادة منها
فنحن إذن أمام كاتبة ذات ثقافة مصوغة بحرفية قصصية لا تخلو من المتعة الققصصية والمنفعة العقلية
وقد تنوع السرد بتنوع الموقف الذي تتناوله الكاتبة في قصصها، فجاء ذا حركات إيقاعية متنوعة نتيجة تنوع المواقف التي تعرضت لها الشخصيات في المجموعة القصصية ( أسطورة الحي الست أم هلال).
ا- السرد العاطفي:
حين تتعرض الشخصية الرئيسة في قصة ما إلى المعاناة والألم كما في قصة ( ابتسمي أنتِ جميلة) فقد كانت بطلة القصة ليس لديها قدرا من الجمال، تعاني من شدة قبح منظرها الخارجي فكانت جدتها تقول لها بتأثر شديد:” يا بخت اللي له نصيب من اسمه”
ظلت هذه الجملة تطارد جميلة وتفسد عليها أجمل لحظات السعادة ، التي قد تمر بأي فتاة في مقتبل العمر ، حاولت جميلة أن تخلق لنفسها عالما خاصا بها ، وأحاطت نفسها بهالة من القوة المصطنعة ، لتتخذ منها هيبة كاذبة ، كانت كمن يرتدي قناعا زائفا ، لتخفي به حقيقتها الهشة المحطمة.
حتى جاء يوم أثنى عليها أحد زملائها فشعرت برغبة شديدة في البكاء.
نلاحظ أن الألفاظ جاءت مشحونة بعاطفة الغضب والحزن والأسى لفقدانها أهم ما تتميز به المرأة وهو الجمال، لذلك جاء المشهد فى غاية المأساة.
وحين تميل الكاتبة إلى الجانب الرومانسي والعواطف الحادة الصادقة ، نجد أن السرد يأتي معبرا عن حرارة العاطفة وقوتها ويتضح ذلك في قصة
(أقسمت أنها الأخيرة) تقول الكاتبة أماني عز الدين : ” سئمت أن أستجدي منك البقاء ، وأن أتوسل إلى محبتك ، لم أعد تلك التي تجري لتختبئ في أحضانك كطفلة صغيرة تحتمي من كل شيء يثير مخاوفها .
لم يعد يخيفني الظلام ، ولا يفزعني صوت الرعد ، لقد أصبحت أقوى بكثير مما تظن”
ب-السرد التشويقي:
أجادت الكاتبة استخدام السرد التشويقي من خلال خلق الشعور بالإثارة والغموض والترقب والفضول وترك الجمهور يريد المزيد من المعلومات التي تزيل الفضول والغموض ، كما في قصة ( حكاية الست نبيهة):
” ظهر التوكتوك فجأة أمامها ونزل منه رجل واقترب منها مشهرا سلاحا أبيض في وجهها ، وطلب منها أن تخلع مصاغها الذي لبسته منذ أكثر من ربع قرن من الزمان ، في تلك اللحظة شعرت بشيء من الخوف ، لكن استسلمت لقدرها وقالت بصوت ضعيف …….”
ج- السرد العلمي القصصي:
ولكن حينما يأخذ السرد الشكل العلمي الخالى من العاطفة نجد أن اللغة تناسب هذا الشكل العلمي فتأتي أقرب إلى الصرامة والتقريرية ونجد ذلك في العديد من القصص مثل:
-في قصة من دفتر يوميات فراشة تائبة ” كدت أحلق وتناسيت قانون الطبيعة الذي يقول إذا اقتربت الفراشة من النور احترقت”
-وفي قصة مجرد رأي ” ينص قانون الانعكاس على أن زاوية سقوط الشعاع العاكس تكون مساوية لزاوية الانعكاس وهذا القانون ينطبق على حياتنا”
– وفي قصة متلازمة القلب المكسور ” قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (رفقا بالقوارير) ولفظ القوارر يبين مدى رقتها فالقارورة مصنوعة من أرق أنواع الزجاج فمن السها أن تخدش زتجرحك”
– وفي قصة (اقتحم عالمك الرمادي) ” جدد ألوانك ، ارسم قوس قزح ، ارسم مسارات جديدة ، كن أنت نفسك وبنفسك”
-كما نجد بصمات بعض العلماء والمفكرين مثل:
قصة (اقتحم عالمك الرمادي) ” انتباني شعور بالزهو كأنني ألبرت آينشتاين حين اكتشف عدد أفوكاردو”
-وقد تتدخل الكاتبة بالتعليق وإبداء الرأي لتوضيح ورسالتها فكرتها للقارئ:
كما في قصة (للأبد) ” كم من أظهروا لنا محبة لكنها فشلت أن تبقى ، أو أن يبقوا أنفسهم للأبد ، لأن كلمة للأبد لا ترتبط بأي شخص أو بظاهرة كونية وإنما ترتبط فقط بالذات الإلهية”
5-نهايات المجموعة القصصية:
يمكن تحديد سمات النهايات في المجموعة القصصية (أسطورة الحي الست أم هلال) من خلال ما يلي:
ا-جاءت بعض النهايات مناسبة وطبيعية وغير مفتعلة كما في قصة ( شجرة نادية ، وشال الجدة رقية ، وأسطورة الحي الست أم هلال.
ب- جاءت بعض النهايات مثيرة لنوع من الدهشة باحتوائها على أمر لم ينتبه القارئ كما في قصة ( حكاية الست نبيهة) حيث استطاعت الست نبيهة بذكائها وفطنتها أن تحتفظ بذهبها ومصاغها من اللص الذي هجم عليها مشهرا سلاحه الأبيض بحيلة ذكية صغيرة انطلت على الحرامي وصدقها.
وأخيرا:
أقدم تحية إكبار وتقدير للكاتبة المتألقة ،لأنها صاحبة رسالة سامية وحريصة على معاجة قضايا مجتمعها بكل تفانٍ وإخلاص.

قراءة أدبية في المجموعة القصصية (الست أم هلال) للكاتبة أماني عز الدين
Comments (0)
Add Comment