سي السيد واحتلال العقول 

 

بقلم السيد عيد

لا تزال صورة سي السيد حية في ذهني، بشخصية تعتبر رمزا للزوج القوي صاحب الشخصية الكاسحة والمتسلطة

فعلي الرغم أنه ذو مظهر حازم ومتدين للغاية، ويشبه مجتمعاتنا العربية إلى حد كبير، إلا إنه مثال للرجل الطاغية في بيته, المتسلط على أهله وأولهم زوجته. يتحكم في أولاده ومصيرهم وحياتهم، ويرفض أي رأي أو قول أو فعل يخالف قناعاته الشخصية.

كل من سي سيد وأمينة نتاج حقبة زمنية مضت،بحلوها ومرها، ولكننا لا يمكنا تجاهل ظروف تلك الحقبة عند تحليل وتقييم شخصية كل منهما، كما لا يمكن تقييم الماضي بمعايير الحاضر. ولكن في رأيي أنه من الضروري أن تؤخذ ظروف تلك الفترة بعين الاعتبار عند التعامل مع «سي السيد »

لقد رأى معظم المصريين بأم أعينهم محتلاً أجنبياً يدنس تراب الوطن ويذل أبنائه، وهو الأمر الذي لا يعتبر في عرف كل من هو “السيد” بمثابة إهانة للكرامة الوطنية فحسب، بل أيضاً إهانة للكرامة الوطنية. إهانة للرجولة.

ومع شعور سي السيد بعدم القدرة على إزالة كابوس الاحتلال الأجنبي الجاثم على قلب الوطن، فإنه يبحث عن متنفس يعيد له بعض رجولته التي انتهكها المحتل.

أما طغيان سي السيد في بيته، فيمكن تفسيره على أنه محاولة من رجل مهزوم مظلوم من قبل الاحتلال -الاحتلال الذي أذله على باب منزله في مشهد بالغ الأهمية- للحفاظ على كرامته وسيادته في بيته. وطن صغير إذا جاز التعبير. وإذا كان السيد غير قادر على أن يكون سيداً مطيعاً في وطنه، فهو ليس أقل من أن يكون الحاكم المطلق في بيته، لا سلطة تنازعه.

لاسيما أصبح الآن الاحتلال للعقول، فالمحتل يعيد الاحتلال إلى الوطن والشعب، إلى الأرض، وتحرير الأوطان يبدأ بتحرير العقول. وإلا سيعود الاحتلال وينتقل من الخارج إلى الداخل، ، من الجسد إلى الروح.

التراث الغربي أصبح نموذجاً للحداثة، والبديل الناجح، والسبب الرئيسي لتقدم الغرب والذي أصبحنا مفتونين به. لقد انقطعنا عن ماضينا وارتبطنا بحاضرنا. رفضنا الموروث وقبلنا الوافد الجديد

ومعايير السلوك يقتضي تحويل الاعتقاد إلى ثورة، والنص إلى واقع، والانتقال إلى إبداع، والفناء إلى بقاء، والرواية إلى عقل يميز بين الميراث الخاطئ والتقليد الأعمى.

لقد بات كلا منا كالأرض الصلبة غير المجهزة بسبب جفاف محاصيلها في اليابسة. ولا يمكن تحرير العقول من هذا الاحتلال الأجنبي الجديد إلا بالتخلي عن نقله وتقليده

ولا يزال المجتمع العربي مجتمعاً “سيدياً” يميل المواطن فيه إلى البحث عن لقمة العيش من أجل البقاء، يهتم بمصلحته الشخصية في نطاق ضيق، ويتخلى عن المصلحة العامة والقضايا الوطنية الكبرى. تصغر أهدافه، وتتقلص إرادته. للاستمتاع بمباهج الحياة، إن وجدت.

احتلال العقول هو أن تحبس الزمن بين ماض مضى لكنه لا يزال حيا بداخلك، وبين ومستقبل لم يأت بعد نراه بأعين غربية، وحاضر لا يمكنك تغييره لأنك انغمست فيه. ولا يمكن تحريرك إلا بكسر حصار الزمن ودخول العقل التاريخ.

لم نعد نعرف كيف نعيش بدون هويتنا “لغتنا العربية”،

أعيدوا لنا عقولنا فما بتنا نعلم كيف نخلص عيوننا وعقولنا من بريق باريس وجمال لندن وإبداعات هوليوود ونجومها حتى نسينا أسماء أبنائنا وبلداننا! أخذتم الخامات لمصانعكم بملاليم ،لتصدروها لنا بعد ذلك بملايين، سرقتم خيرات بلادنا استوليتم على كل مقدساتنا تحت الأرض وفوقها، دمرتم بلداننا العربية سوريا وليبيا والعراق والسودان وفلسطين ، لكن أعيدوا لنا عقولنا لنعيد هويتنا العربية ويعود وطننا العربي ويعود سي السيد بشكل مختلف لا مهزوم ولا مظلوم.

سي السيد واحتلال العقول
Comments (0)
Add Comment