بقلم- رانيا ضيف
جلست لتكتب مقالها الأسبوعي، تحدتها الكلمات بالصمت المطبق، حاولت مرة تلو أخرى بلا جدوى، ذهبت لتعد كوبا من الكاكاو الدافىء لعله يرخي أعصابها المتوترة طوال النهار وتستطيع الكتابة، شربت وهدأت حتى أوشكت على النوم ولا تلين الكلمات ولا يطاوعها القلم فأرفقت في الملف واحدا من تلك المقالات التي قد أعدتها سلفا لمثل تلك الأوقات وخلدت إلى النوم،
دارت معارك جسام، تسمع أصوات القذائف وصراخ النساء “غزة تُباد” ترى القوم يفرون يمينا ويسارا والنيران تطاردهم من كل جانب،
مرضى يستغيثون وأطباء يبكون وأطفال يموتون أثناء عمليات جراحية دون تخدير، تسمع أصوات الرصاص مع صرخات الأمهات والآباء وسقوط البنايات على من فيها، عائلات بأكملها تُباد في ثوان معدودة حتى رأت قذيفة في السماء تتجه نحوهم فاستيقظت من الكابوس المفزع تتفل عن يسارها وتستعيذ من الشيطان الرجيم وضربات قلبها تتسارع وجبينها يتصبب عرقا، مدت يدها اجتذبت كوبا من الماء جوارها ورشفت قليلا منه وبكت حتى انخلع قلبها!
هذا الكابوس المفزع الذي تصورته كأكثر الأفلام رعبا عن أهوال يوم القيامة ما هو إلا تفريغ لعقلها الباطن الذي يتابع عن كثب أحداث غزة في الأخبار على مدار اليوم فكيف بالصغار الذين يعيشونه واقعا؟!
كيف بالأمهات اللائي يفقدن أبنائهن وأزواجهن في لمح البصر!
بكثير من الألم الذي يعتصر القلب وبهروب من صوت داخلي يشعرها بالعجز والتخاذل حاولت العودة للنوم الذي بات طقسا ثقيلا على النفس من هول ما تلقى فيه!
في الساعة السادسة صباحا استيقظ الجميع على صوت المنبه الكل يستعد لطقوس الصباح وتعد هي الفطور وترتدي ملابسها وتستقل سيارتها وتصحب ابنها للمدرسة وما إن وقفت وودعته حتى تثبتت تليفونها بحامل السيارة لتتابع القنوات الإخبارية لتعرف آخر الأخبار وتطورات الأحداث في غزة أثناء طريقها لمقر الجريدة.
لازال ذلك الحلم يراودها وما سمعته في الأخبار أثناء الطريق مزق ما تبقى لديها من طمأنينة ونزع عنها الهدوء.
في أحد التقارير الإخبارية سمعت نداءات لهدنة إنسانية وصلف إسرائيل ورفضها، ومحاولات مضنية كي يستجيب ذلك الكيان المحتل قاتل النساء والأطفال ومستهدف المستشفيات والمدنيين.
تنقلت بين البرامج لتسمع تقريرا عن أهم الأحداث والمواقف التي قطعت نياط قلب الإنسانية في مشاهد لا تُروى!
– يوسف ٧ سنوات شعره كيرلي أبيضاني وحلو.
– بتنتقموا منا في الأولاد، معلش
– الولاد ماتوا بدون ما ياكلوا
– فرحانين إن والدي مات؟ طلب الشهادة ونالها.
– هذي روح الروح
– يا رب بس ألاقيهم، – على مين بتدور؟
ولادي الأربعة ماتوا ومش لاقيهم!
اغرورقت عيناها بالدموع التفتت لتجتذب منديلا سمعت صوت بوق سيارة مفزع أمامها حاولت تفادي الاصطدام فارتطمت السيادة بأحد الأعمدة على جانب الطريق وغابت عن الوعي.
يُتبع..