غزة وأصحاب الأخدود

سامح بسيوني

وأنا أقرأ في سورة البروج؛ توقفت مشاعري وارتعدت فوارسي وفاض قلبي حزنًا عند قوله تعالى (قتل أصحاب الأخدود* النار ذات الوقود* إذ هم عليها قعود* وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود)

فهببت مسرعًا إلى كتب التفسير؛ لأقرأ عنهم، فمن هم أصحاب الأخدود؟ ولماذا حرقوا بالنار؟ وأي جريمة ارتكبوها حتى ينالوا هذا العذاب الأليم؟

فالقصة باختصار تحكي لنا قصة ملك ظالم تجبر في الأرض، وأصحاب الأخدود هم قلة مستضعفة في الأرض كل جرمهم أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، وأعلنوا التوحيد الخالص لله عز وجل فكان العقاب القاسي من هذا الطاغية، بأن تُحفر لهم حفرة عميقة في الأرض ووضع فيها الحطب؛ حتى ازداد لهيبها وجيء بهؤلاء المستضعفين فخيروا بين الكفر والإحراق بالنار، ولكنهم ثبتوا على عقيدتهم الخالصة لله – عز وجل – فكان مصيرهم الإحراق بالنار.

بل من المشاهد الرهيبة الخالية من كل أنواع الرحمة والشفقة، أم تحمل وليد لها وهو في مهده لم يتخطى أيامًا من عمره فهو حديث الولادة، فخافت الأم على وليدها ففكرت لحظات كيف تنجو بطفلها من النيران المحرقة؟ ولكن الله أنطق الوليد وقال لها: اثبتي يا أماه، إنك على حق.

ومن المواقف الأليمة على النفس بأنهم قعود أمام النيران يتلذذون بإحراق هؤلاء المستضعفين، فصارت قلوبهم أشد قسوة من الأحجار، بل إن من الحجارة لما يتفجر منه الماء وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما يعملون.

والعجيب أننا لم نر ملائكة نزلت من السماء تحميهم أو رياحًا تنقذهم من بطشهم أو طيرًا أبابيل يأكل من رؤوس المتجبرين فيكونون كعصف مأكول، فهذا المشهد المأسوي الذي انفطرت منه القلوب لوعة وأنينًا في الصدور فقد سمع صرخاتهم من الإحراق النمل في صخورهم الصماء، لماذا لم نرَ المدد ؟ لأن الله يريد أن يعلمنا بأن هذا الدين لن ينتصر إلا بالصبر والإيمان.

ونلاحظ بأن القرآن سكت عن عاقبة الظالمين فلم يذكر لهم عذابًا ولا عقابًا دنيويًا، لماذا سكت القرآن الكريم ولم يذكر لنا عقابًا؟ لأن هذا المشهد سيتكرر مرات ومرات على مر العصور والزمان؛ ليوضح لنا بأن المشهد لن ينتهِ وأن أهل الحق سيظلون إلى يوم الدين يحاربون من أهل الباطل زورًا وبهتانًا.

فأهل الأخدود لم يكن هناك إعلامُا يعرض قضيتهم، ولكن الله كان شاهدًا عليهم فهو القائل( وشاهد ومشهود)

والربط بين القصتين، بأن أصحاب الأخدود أحرقوا وأهل غزة هم الآن محاصرون ومعذبون أحرقت بيوتهم، وقتل أطفاله، وهم يتساءلون بأي ذنب قتلت؟

أصحاب الأخدود جاءوا في وقت لم تعرف البشرية تقدمًا ولا إعلامُا فكانت قضيتهم مهمشة فلم يعرفها العالم، ولكن الله كان هو الشاهد على بطشهم، فأعلنها الله في قرآنه؛ لتكون شهادة على مر الزمان والعصور نتعلم منها الثبات على الحق حتى لو كان الثمن هو الحياة.

أما أهل غزة فعصرهم مليء بالتقدم، فوسائل الاتصالات وصلت إلى حد فاق الحدود والخيال، فقضيتهم عرضت على البشرية جمعاء فالكل يعرفها كمعرفة أبنائهم، ولكنهم سكتوا وتقاعسوا عن نصرة الحق والشاهد الوحيد هو الله، فهو شاهد على تراخيهم وعدم نصرة الضعفاء والمستضعفين، فمنهم من أقام الحفلات رقصًا ولم يحسب للإنسانية حسبانًا، ومنهم من أقام مباريات للهوهم ولعبهم، وكأن القضية ليست بقضيتهم ولا تعنيهم بشيء، لذلك نجد بأن السورة ختمت بقوله تعالى (إن بطش ربك لشديد)

فمهما سكت العالم عن نصرة الحق، فلن يضيع الله حقوق هؤلاء المستضعفين ولن يفلت هؤلاء المعتدين؛ لأنهم سيقفون أمام محكمة العدل الإلهية شعارها ( لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب)

غزة وأصحاب الأخدود
Comments (0)
Add Comment