د. إيمان بشير ابوكبدة
مذهب فقهي إسلامي من مذاهب أهل السنة الأربعة، ينسب إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت. وقد اعتمد غاية الاعتماد على الرأي والقياس. وعمل بآراء هذا المذهب في أغلب البلاد الإسلامية.
عوامل الظهور: اشتد الخلاف في زمن الدولة الأموية بين أهل الرأي وأهل الحديث؛ وكانت الدولة الأموية تدعم في ذلك أهل الحديث. واستمر هذا الخلاف حتى سقوط الأمويين وقيام الدولة العباسية التي أخذت تعتمد الموالي وتقربهم حتى تبلور تيار الحنفية، والتف حوله الموالي وأصبح المذهب الرسمي للدولة العباسية.
وأخذت الدولة العباسية تغدق بالعطاء والهدايا على أهل الرأي، فحاول بعض علماء هذا الاتجاه تأييد وجهة نظر الدولة ودعمها في بروز هذا التيار ونشوئه.
مؤسس هذا المذهب هو أبو حنيفة، حيث خرج على الناس بمذهب جديد، فيه حرية العقل واستعمال الرأي والقياس.
النشأة والتطور: حاول العباسيون إضفاء طابع الانتماء الديني على دولتهم والإيحاء للرأي العام بأنهم أحق بالأمر من خصومهم الأمويين، فأظهروا الاتصال الوثيق بين الدين والدولة، وكونوا من أحكام الشريعة دستورا ونظاما تسير عليه الدولة سيرا صوريا، فقربوا العلماء وجعلوا القضاء بيد أهل الرأي من أهل العراق حتى ولي أبو يوسف القضاء وهو تلميذ أبي حنيفة. فكانت للمذهب الحنفي حظوة واسعة في الشهرة والانتشار.
إن وجود رجالات حملوا على عاتقهم نشر المذهب، أمثال أبي يوسف قاضي القضاة في زمن الرشيد، ساعد على انتشار هذا المذهب انتشارا واسعا، حيث تولى القضاء لثلاثة من الخلفاء العباسيين منذ أيام المهدي، ثم الهادي ثم الرشيد.
حظي الفقه الحنفي بمحمد بن الحسن الشيباني الذي دون فقه هذا المذهب وسجله، وكذلك محمد بن شجاع الثلجي الذي كان يحتج بفقه الحنفية، وأظهر علله وقواه بالحديث، فساعد هذان الأمران على انتشار هذا المذهب على صعيد العالم الإسلامي.
اعتمد هذا المذهب أفكارا ومعتقدات، من أهمها: الأصول عند الحنفية هي: “الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس والاستحسان والعرف”.
أهم مصادر التشريع عندهم هو الأخذ بالقياس حتى عرفوا به وتميزوا عن بقية المذاهب.
قالوا إن الإيمان هو المعرفة بالله ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة من دون التفسير.
قالوا بجواز قبول الجزية من عبدة الأصنام، مستثنين العرب منهم.
أفـتى أبو حنيفة بوجوب نصرة زيد بن علي بن الحسين.
أغلقوا باب الاجتهاد مكتفين باجتهاد الأئمة السابقين، وصار عصرهم عصر تقليد واختيار من كتب السابقين.
قالوا بعدم جواز الحجر على السفيه ولا على ذي الغفلة لأنهم يرون أن الشخص ببلوغه عاقلا سواء كان سفيها أم غير سفيه، فإنه قد بلغ حد الإنسانية المستقلة.
قالوا إن الكفر والشرك هما إسمان واقعان على معنيين، وإن كل شرك كفر، وليس كل كفر شركا.
قالوا: لا مشرك إلا من جعل لله شريكا، وأما اليهود والنصارى فكفار لا مشركون؛ وسائر الملل كفار مشركون.
انتشر المذهب الحنفي في العراق وفي أغلب الأقطار الإسلامية بشكل متفاوت. فتركية وألبانيا وسكان بلاد البلقان وتركستان (بخارى) هم على المذهب الحنفي بصورة غالبة. وفي أفغانستان يؤلفون نصف أهل السنة، بل هذا المذهب هو أوسع المذاهب الإسلامية انتشارا على الإطلاق.
كان للحنفية موقف عداء معروف من الأمويين حتى أن يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري، أمير العراقيين، قد استقدم أبا حنيفة لكي يلي القضاء بالكوفة أيام مروان بن محمد، آخر ملوك بني أمية، فأبى عليه فضربه مئة سوط وعشرة، كل يوم عشرة سياط، وهو على الامتناع. فلما رأى ذلك، خلى سبيله.
وفي العصر العباسي، استدعى المنصور أبا حنيفة من الكوفة لأنه اتهم بالتشيع لإبراهيم أخي محمد ذي النفس الزكية، فحبسه خمسة عشر يوما ثم سمه، وتوفي في رجب عام 150 هـ بمدينة بغداد.