الحروب النفسية

د. طارق درويش

وردت عبارة «الحرب النفسية» لأول مرة في مؤلف الكاتب الألماني الكولونيل بلاو، وكان رئيسًا للمعمل النفسي بوزارة الدفاع، وقد أصدره عام 1930 بعنوان «Propaganda ale wathe»، حيث وضع فيه أسس الحرب
إرادته، لما تستطيع إلحاقه به من أضرار اقتصادية، كتراجع حجم المبيعات والصادرات، وما يترتب على ذلك من آثار سياسية واجتماعية.

تُعد الحرب النفسية من أخطر الحروب التي يُستخدم فيها العنف، وقد أوضح تلك النقطة نابليون بونابرت حين أكد أن حرب العقل أقوى من حروب الأسلحة.

ورغم أن الحرب النفسية فرضت نفسها على البشرية منذ أقدم العصور، ورغم تبلور أهميتها ودورها في الحرب العالمية الأولى وفترة ما بين الحربين فقد أصبح استخدامها المعاصر أكثر اتساعا وتعقيدا مع توفر وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري؛ والتي أمكن بواسطتها الوصول إلى الملايين لمحاولة التأثير عليهم وتغيير سلوكهم، وزاد من أهميتها أيضًا استعاضة القوى العالمية الصراع المادي بالحرب النفسية، إضافة إلى ما تعانيه حاليًا كل المجتمعات تحت وقع ضربات الحرب النفسية المتتالية من انسحاق نفسي وروحي، لهذا كان موضوع الحرب النفسية من أخطر موضوعات الساعة محليًّا وعالميًّا، وليس الآن فقط وإنما في كل الظروف والأحوال.

مفهوم الحرب النفسية:
التعريف اللغوي: هي حرب معنوية أو سيكولوجية، اختلف المتخصصون في مبناها اللغوي؛ فمنهم من يطلق عليها حرب العصابات والحرب الباردة ومنهم من يطلق عليها حرب الأفكار والحرب الدعائية، ولكنهم جميعا اتفقوا على معناها القائل بإنها شكل من أشكال الصراع الذي يهدف إلى التأثير على الخصم وإضعاف معنوياته وتوجيه فكره وعقيدته وآرائه، لإحلال أفكار أخرى مكانها تكون في خدمة الطرف الذي يشن الحرب النفسية.

التعريف الاصطلاحي: هي استخدام الأنشطة التي تسبب الخوف والقلق لدى الأشخاص الذين تريد التأثير عليهم دون الإضرار بهم جسديًا.

وردت عبارة «الحرب النفسية» لأول مرة في مؤلف الكاتب الألماني الكولونيل بلاو، وكان رئيسًا للمعمل النفسي بوزارة الدفاع، وقد أصدره عام 1930 بعنوان «Propaganda ale wathe»، حيث وضع فيه أسس الحرب

النفسية، ثم شاعت عبارة «الحرب النفسية» خلال الحرب العالمية الثانية من قِبل الحلفاء ودول المحور على السواء، وكانت تعبر عن الدعاية المبنية على الاستفادة من دروس علم النفس، ومن بين أولى التعريفات للحرب النفسية في الجيش الأمريكي، التعريف القائل بإنها: «استخدام أي وسيلة بقصد التأثير على الروح المعنوية وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين»”، ثم عُرفت في معجم المصطلحات الحربية للجيش نفسه بأنها: (استخدام مخطط من جانب الدولة في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ لإجراءات دعائية بقصد التأثير على آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعات أجنبية عدائية أو محايدة أو صديقة، بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها).
وقد عُدل هذا التعريف في طبعة المعجم اللاحقة بحذف كلمتي «في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ»، لأن مجال الحرب النفسية لا يقتصر على هذه الأوقات فقط.

وهناك نسخة خطية للبحرية الأمريكية أُعدت عام 1946م وأعيد كتابتها عام 1950 جاء فيها « إن المهمة الأساسية للحرب النفسية هي فرض إرادتنا على إرادة العدو، بغرض التحكم في أعماله بطرق غير الطرق العسكرية ووسائل غير الوسائل الاقتصادية.

هذا ولا يوجد تعريف محدد للحرب النفسية، فهي مرتبطة بالعلوم النفسية والاجتماعية، وظهرت نتيجة ثمار الوعي النفسي والتطبيق العملي للعلوم النفسية الحديثة، وعلى الرغم من كونها ليست بالحرب المعروفة حيث الأسلحة والذخائر فإنها لا تقل ضراوة وفتكًا عن الحروب العسكرية، سلاحها الكلمة التي تؤثر بالسلب أو الإيجاب على المعنويات، بالإضافة إلى المشاعر والمواقف وتصرفات المجموعات المعادية أو المحايدة أو الصديقة لتغيير السلوك نحو الهدف والمقصد التي وجهت إليه الحرب النفسية، وذلك دعمًا لسياسة أو لأحداث راهنة، أو لخطة عسكرية، في ظروف الحرب أو الأزمات والمواجهات..

العالمية الأولى يعود الفضل فيه للعمليات النفسية، ومهما يكن من مغالاة في هذا القول فإن العمليات النفسية كانت سلاحًا بين الأسلحة الحاسمة في حرب (1914، 1918م).

على الرغم من عدم نجاح الألمان في دعايتهم بالحرب العالمية الأولى ولاسيما في الجبهة الداخلية، فقد استفادت ألمانيا من هذا الدرس؛ إذ وصلت النازية إلى السلطة عن طريق استمالة الرجل العادي، وطبق “هتلر” هذا التكتيك في الميدان الدولي بادئًا بتملق الجماهير في كل مكان، فقام بعروض تدل على القوة ثم انتهى إلى الوحشية الباردة التي لا يهمها ما يحدث في سبيل تحقيق أهدافها.

لذا إن مجالات الدعاية في كلتا الحربين العالميتين كانت متشابهة، غير أن مجهودات الحرب النفسية بالحرب العالمية الثانية كانت أكبر في مجالها، فأصبح اسم الحرب النفسية الاسم الجديد للدعاية، وبدأ الراديو يلعب دورا رئيسية في نشر الدعاية على عدد كبير من المستمعين الهدف، وفي فترة الحرب الثانية استطاعت دول المحور (روما، برلين، طوكيو) أن تنال رضا شعوبها في القيام بحرب عدوانية أولًا ثم تفتيت خصومها للحصول على النصر، فكان عليها أن تدخل الخوف والرعب في نفوس أعدائها المباشرين، وقد استخدمت الدعاية السوداء بشكل واسع النطاق قبل العمليات الحربية برغم ما بذل من جهد كبير لإخفائها.

أهداف الحرب النفسية:
وبناء على ما سبق نجد أن الحرب النفسية تسعى إلى تحقيق عدة أهداف حسب الظروف والطرف المعادي، منها ما يلي:

1.إضعاف إيمان الجماعة المعادية بكل ما يخصها من دین وعقيدة أو مبادئ وقيم، عن طريق تضخيم بعض الأخطاء السلوكية أو التصورات الفكرية المختلفة معه، وتهوين بعض القيم والتشهير بها إلى درجة الاستهزاء.

2-إثارة بذور وعوامل الفرقة والشقاق في نفوس الجماعة المحايدة أو المعادية، بتفريق أفراد الشعب عن القيادة وتفريق أبناء المجتمع الواحد عن بعضهم البعض، عبر زرع قنابل عنقودية متنوعة في عقول أفراد وجماعات المجتمعات.

3-تهويل وتضخيم الضائقة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، من أجل فرض الهيمنة والوصاية على الدولة المستهدفة، عن طريق قروض وخطط إنقاذ وفق شروط استدلالية تزيد الدولة المستهدفة تبعية ورضوخًا.

4-تحقيق السيطرة على إرادة الشعوب وقياداتها وتوجيهها وفق ما تريد، وبحسب ما يخدم مصالحها وسياساتها، من خلال التشكيك في قدرات وخطط وبرامج البلدان المستهدفة، لتجعلها تتعقد من شخصيتها وبالتالي تستسلم لقرارات الدول الاستعمارية دون نقاش ولا ملاحظة.

5-تدعيم التطرف الديني والسياسي للتشويش على القناعات والاعتقادات الدينية الصحيحة والمعتدلة والتشكيك في مصداقيتها.

6. تعميم مشاعر الإحباط واليأس بين أفراد المجتمع، وخاصة بين فئة الشباب بحكم خصوصية اهتماماته وطموحاته، وغيرها من أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية واستراتيجية.
ويؤكد مثل هذه الأهداف البروفسور رجدار داکروس-Dacros Regarder رئيس الحرب النفسية في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، حينما قال إن من أهم أهداف الحرب النفسية هي:

1.تحطيم قيم وأخلاقيات الشعب الذي توجه إليه الحرب النفسية.

2.إرباك نظرة الشعب السياسية وقتل معتقداته كافة ومثله التي يؤمن بها.

3. إعطاء الشعب الدروس الجديدة ليؤمن بها بعد ذلك، وبكل ما نؤمن به.

4. زيادة شق الخلاف بين الحكومات وشعوبها.

5.غرس بذور الفرقة بين أبناء الشعب الواحد.

صحيح.

كما تعرف الدعاية على أنها: “التعبير عن الآراء أو الأفعال التي يقوم بها الأفراد أو الجماعات عمدًا، على أساس أنها ستؤثر في آراء أو في أفعال أفراد آخرين أو جماعات أخرى لتحقيق أهداف محددة مسبقًا، وذلك من خلال المراوغات النفسية.

وقد أسهم التطور التكنولوجي في زيادة تأثير الدعاية على الجماهير، فأصبحت الدول تبث وترسل أفكارها بغرض إحداث التأثير والسيطرة على الاتجاهات، موظفة في ذلك النظريات الحديثة في علم النفس والاجتماع والإعلام، والتي تمكن من تعميق التأثير على الجماهير.

لو أردنا البحث في تاريخ الدعاية لوجدنا أنفسنا نبحث في تاريخ البشرية نفسه، فمنذ أن أخذ الإنسان يعبر عن نفسه من خلال الكلمات، الكتابة، الرموز، فإنه لم ينفك يبحث بشتى الوسائل، من خلال الإيهام، المبالغة، تحريف الحقائق، إعادة صياغة الأخبار، من أجل الوصول إلى هدفه.”

ثالثاً: غسيل الدماغ:

ويسمى أيضًا الإقناع القسري، له أهمية في الحرب النفسية كونها جهدًا منهجيًّا لإقناع غير المؤمنين بقبول ولاء أو أمر أو عقيدة معينة. هذا المصطلح مصطلح عام يتم تطبيقه بشكل عام على أي تقنية مصممة للتلاعب بالفكر أو العمل البشري ضد رغبة أو إرادة أو معرفة الفرد، من خلال التحكم في البيئة المادية والاجتماعية ، حيث تتم محاولة تدمير الولاءات لأي مجموعات أو أفراد غير مواليين ، ولإثبات أن مواقف الفرد وأنماط تفكيره غير صحيحة ويجب تغييرها، ولتنمية الولاء والطاعة المطلقة تجاه الشخص والحزب الحاكم.

حظيت طبيعة (غسيل الدماغ)، كما حدث في السجون السياسية الشيوعية، باهتمام واسع بعد انتصار الشيوعيين الصينيين عام 1949 وبعد الحربين الكورية والفيتنامية.

رابعاً: المقاطعة الاقتصادية:

هي رفض منهجي وامتناع طوعي عن استهلاك منتجات شركة أو دولة ما، أو إقامة أي علاقة اقتصادية معها، للضغط عليها أو إرغامها على الاستجابة لمطالب محددة، كتغيير مواقفها أو سياساتها تجاه بعض القضايا، كحقوق الإنسان، أو إنهاء احتلال أرض ما، أو وقف العدوان على بلد ما. وتعد المقاطعة الاقتصادية سلاحًا رادعًا فعّالًا في مواجهة الآخر وتطويع إرادته، لما تستطيع إلحاقه به من أضرار اقتصادية، كتراجع حجم المبيعات والصادرات، وما يترتب على ذلك من آثار سياسية واجتماعية.

وهكذا نرى أن الحرب النفسية هي أخطر الحروب التي تواجه الثورات والحركات الإصلاحية في كل زمان ومكان؛ إذ تحاول أن تصيب الأفكار والتعاليم والمبادئ الناهضة وتحول بينها وبين الوصول إلى العقول والرسوخ في القلوب، كما تزرع بذور الفرقة والانقسام وتضع العقبات أمام التقدم والتطور، وتعمل في الظلام وتطعن في الخلف، وتلجأ إلى تشويش الأفكار وخلق الأقاويل والإشاعات ونشر الإرهاب واتباع وسائل الترغيب والتهديد،كما أنها تثير الدوافع التي تنشأ في نفوس المواطنين في أثناء الحرب أو عند تعرضهم للمصاعب والتهديد أو الخطر المستمر.

الحروب النفسية
Comments (0)
Add Comment