بقلم / انتصار عمار
أقدارنا بين الكاف والنون،وأنفاسنا بين شهيق و زفير ،ولا أحد يدرك الغيب ،أو يعلمه ؛ فكل شئ مكتوب ومكنون ،سر من أسرار اللوح المحفوظ ؛ أقدار وعبرات ،دموع وبسمات ،نسمات وضحكات ،نصيب وحظ وعزة ،وخضوع ،وسفر ،و غربة ،وترحال، ورجوع ،عطاء وحرمان ،حب و كره ،وعود ،وحياة أو موت .
. تعصف بنا الحياة ،فتلق بنا بين أمواجها المتلاطمة ،فتارة نبحر في عرض الفرح، وتارة نغوص في قاع الحزن ،وما بين تارة وتارة قلب يتأرجح مهابة الحزن ؛وأملاً في السعادة .
أقدارنا بين الكاف و النون ،وما يتمناه القلب ،وما يدركه ،وما هو ظاهر ، وما هو مستتر و مكنون تُخبئه الليالي والسنون.
أحياناً كثيرة نفهم أقدار الله خطأ ،فنتعامل معها بشكل خاطئ ،ونرسم بخيالنا آمالاً وفقاً لفهمنا الخاطئ ،فتصدمنا الخيالات والآمال ،وتُميتُنا الأمانيَّ ؛نتمنى شيئاً ،ونتعلق به بجنون ونبكي لأجله ،تتوقف حياتنا تبعاً لتواجده ،
وكأن عجلة الزمن توقفت وفقاً لهذا الشئ
الذي أردناه ،وتمنيناه ،لكن للقدر حكمة أخرى ربما نجهلها ،وبالفعل نجهلها ،فقد نتمنى شيئاً لا يسوقه القدر إلينا ،بل ونُحرَم منه، ونتعذب ،ونكتوي بنيران حرمانه ،ونجهل حكمة الله في ذلك المنع ،
ولا ندرك أنه في طيات المحن منحاً وفي طيات الحرمان والمنع عطاء ؛فنحن نريد ما تمنيناه ،وربما لا يكون فيه خير لنا لو آتانا ،فالله عز وجل دوماً يختار لنا الأفضل ،ويهيئ لنا الخير ،فمثلاً؛ عندما يهوى أحدنا شخص ما ويتعلق به فيعشقه ويهيم به ،فهذه أقصى درجات الهوى “الجنون”(العشق الجنوني )،فهو فُتن به ،لا يرى سواه في الوجود ،يصبح كلاهما روح واحد ،لا يسمع إلا صوته يهمس في أذنيه ،حتى وإن لم يتفوه ،وإن لم يكن بدائرة المحيطين به ،لكنه يسمعه ،يراه في كل من حوله ،دائم التفكير به ،فهو منشغل به ليل نهار ،يحرمه النوم ،يتوق للقياه ، ما أجمل هذا الهوى !
لكن ؛ماذا بعد ! فجمال الهوى يكمن في كماله وكماله لا يتأتي إلا بتمامه ، فما دون كمال الهوى وتمامه موت ،نعم موت حتى وإن ظل الجسد باقياً على وجه الأرض يُسمى حياً ،فصاحب الجسد نُزعت منه روحه بقوة ،فارقته روحه حينما حُرِمَ لقاء حبيبه ،حينما كُتب عليهم الفراق ،تحطم القلب ومات صاحبه لوعة وألماً ؛وما أسوأ هذا الشعور وأقساه ! وما أشده فتكاً به ،خاصة وإن كان المحب المتعلق هيناً لينا ذا قلب أبيض شفاف رقيق لا يحتمل جراحات عذاب ،فكل عذاب يُحتمل إلا عذابات ونيران الهوى ،ومن هوى بصدق أستمات في هوى من أحب ،حارب الدنيا كلها لأجله ،لم يفلت يده من يديه ،لقي ما لقي من عذابات وعرقلت طريقه عقبات ،
لكنه حاول مرة ومرات كي يصل إليه ،فمن يهواك حقاً سيظل جوارك ،يستميت لأجلك ،ولا تقيده ظروف ،ولا تمنعه حدود ،ولا تعرقله حواجز ،و من أرادك
بحياته ،تكن أنت حياته ،ومن أرادك بصدق ،تكن أنت عالمه ،لا يبصر ولا يحس سواك ،وكأن العالم كله أختصره فيك .
.من يحب يحس محبوبه روحه ،وأي بقاء دون الروح (موت )
فكيف له أن يحيا بعيداً عن روحه !!
ومطلقاً لا ينسى من هواه ،بل يظل يحيا ذكرى هواه حال الفراق ،حتى وإن كان لغيره ، سيظل يذكره ؛كلما مر به موقف جمعه به ،أو كلمة أو تفصيلة ،أو ذكرى شئ ،فالهوى بكل المقاييس عذاب يقطن جنبات فؤاده ،ويمزق أوتار قلبه إذا كان
الفراق قدراً محتوماً .
.جمال الهوى في أن يلتقيا الحبيبان ويجمع الله بينهما كزوجين ،وقد يكون هذا الهوى غير مكلل بالتوفيق من قبل الله عز وجل ،أي غير متبوع بتمامه ،فربما خط الله سبحانه قدراً على هذا الهوى بالفراق لحكمة لا يعلمها إلا هو جل علاه ،
.لذا علينا أن نرضى بكل قضاء الله وقدره
ولا نسخط ،ونتعامل معه بشكل سوي ،ونقتنع تماماً أن تدبير الله لكل أمورنا خير ،وأنسب لنا ،وما حرمنا منه لم يكن شراً ،بل هو خير لنا ،لكننا دوماً نجهل حكمة الأقدار ،ولا نتداركها إلا في حينها