كتب الناقد الأدبي د/ عادل يوسف.
هل للحب والمشاعر عمر معين تنتهي عنده؟ وهل يمكن أن تعيش الجدة سن المراهقة من جديد؟ وهل يمكن أن ينشط الحب مرة أخرى بعد سن السبعين أو الثمانين أو التسعين؟!
هل يجوز لها انتظار فارس الأحلام بعد هذا التقدم الكبير في عمرها؟
هل يعتبر مثل هذا الحب نزوة أم رغبة في اللحاق بآخر ما تبقى من قطار العمر ؟
أقول : إن الحب ليس له عمر معين ينتهي عنده ، وإنه لا يخضع لقوانين العلوم ولا الرياضة التي تقول:” إن المادة لا تفنى ولا تُستحدث من العدم”
فالحب يُستحدث من العدم وقد يفني الحب بالغدر والخيانة، وقد يتحول إلى انتقام وكراهية.
وتؤكد لنا قصة ( جدتي ما زالت تعشق ) وهي إحدى قصص المجموعة القصصية (وشم من القبلات) للكاتبة المتألقة سماح فراج على أنه لا يوجد حب يفوق حب الأم لابنها ؛ لأن الأم هي منبع الحب والحنان ، بل أن الحب في هذه القصة أصبح ضرورة إنسانية لا تستمر حياة الجدة السوية والصحية بدونه .
كذلك تبين لنا هذه القصة أن الحب لا ينتهي عند عمر معين بل أن صلاحية الإنسان العاطفية موجودة حتى لحظة خروج الروح.
فنجد في هذه القصة أن الجدة تشتاق لابنها الذي اُستشهد في المعركة وتتخيل ابنها أمامها حي يرزق ، يزورها كل ليلة وتسمع صوته وضحكته وتحكي له كل شئ عن حياتها وصحتها، وأنها ما زالت تتناول الدواء من يده كما تحكي له أيضا القصص المسلية له .
وتقوم الجدة بتوضيح أوصاف ابنها بعناية شديدة وتطلب من حفيدتها
أن تقوم برسم صورة لهذا الابن أو الشبح غير المرئي ، وترسمه الحفيدة بالفعل ليخرج صورة طبق الأصل لابنها الشهيد.
فالحب لا يخضع لزمن معين أو مكان معين فما زالت صورة الابن حاضرة ماثلة في عقل الجدة، لم يستطع الزمن أو المكان أن يغيرها ، وقد ظن جميع أفراد الأسرة أن صورة هذا الابن هو صورة لرجل غريب تعشقه الجده وليس ابنها الشهيد.
بالنسبة للرؤية الإبداعية لقصة جدتي ما زالت تعشق:
نلاحظ أن أهم ما تتميز به هذه القصة أن بطلها ليس شخصية واقعية وإنما هو شبح الابن غير المرئي الذي يزور أمه كل ليلة، ورغم أن بطل القصة مجرد شبح أو وهم من خيال الجدة، لكنه لم يفقد صلة القصة
بالواقع ؛ لأن الكاتبة حولت الوهم إلى حقيقة، والخيال إلى واقع فجعلت الأحياء يتعايشون مع الأموات على نحو يصعب التمييز بينهما .
فهذا البطل الشبحي أو الخيالي دائم التعايش والحياة مع الجدة؛ فهو يشاركها حياتها اليومية وتتحدث معه وتحكي له كل شئ ، وعندما يريد أن يغادرها تقبله على جبينه وتلوح له بيدها.
إن الموت في هذه القصة هو فناء للجسد فقط ،وليس موتا للروح ،بدليل أن الجدة تستطيع أن تستحضر شبح ابنها وتحدثه وتودعه وتقبله.
هكذا يتبين لنا الحب لا يخضع لقوانين العلوم ، ولا العقل، ولا يخضع لعمر معين فصلاحية الإنسان للحب لا تنتهي أبدا عند عمر محدد.