متابعة _عبدالله القطاري من تونس
قال : استعددت لمرحلة التقاعد وخطّطت لها . أدركت قبل سنوات من تقاعدي أنْ لا بدّلي من عمل أملأ به وقتي وجيبي فأنا آخذ ما هو حقّ لي ولا أسرق حقّ أحد . طويت ملفّ التعليم و ركنته على الرفّ وافتتحت محلّ تجارة صغير ( حانوت عطرية) . نزعت ميدعة المعلم ولبست ميدعة التاجر . تخلصت من دفتر إعداد الدروس والمذكرات والمخططات والامتحانات وتعمير دفاتر الأعداد و احتساب المعدلات . وبرئت من رقابة المدير و زيارات المساعد البيداغوجي الثقيلة على نفسي و أُعتقتُ من سلطة المتفقد وتسلّطه . واستبدلت كل ذلك بكوْن جديد قوامه سلع متنوعة معروضة للبيع بأسعار بعضها مسعّرة من السلط وبعضها به هامش ربح يصل الى 30 بالمائة . أصبحت سيّد نفسي أفتح متى شئت و أغلق متى أحببت .وأتمتع بقيلولتي بلا منغص . كون جديد كما قلت تعرفت من خلاله على فنون التعامل والتواصل مع الزبائن و باعة الجملة والمخابز و مزودي مواد التنظيف والمشروبات الغازية وغيرهم . نظام في التعامل يخضع لسُنَن التجارة وأعرافها ونواميسها و طرائقها السليمة و المشبوهة بين اليمين الصادقة واليمين الغمُوس .الحقّ أقول : لقد ولدت ولادة جديدة أرحت فيها أعصابي و كسبت صحة في بدني وتعدّل مزاجي و استعدت بعضا من مرحي . ومن محاسن مرحلتي الجديدة أني وجدت الوقت لقراءة الصّحف وكتب اشتريتها من عقود ولم أجد الوقت والمزاج لقراءتها . قد يتخيل القارئ أني أصبحت معزولا عن العالم من حولي . كلاّ . فقد كنت محاطا بثلة من الخلطاء من الأهل والجيران نتجاذب الأحاديث و نتبادل النكات والحكايات و نعرض آخر أخبار البلاد والعباد و نزيّن المجلس بلعب الدومينو وأكرم ضيوفي ببعض الڨازوز أو الشاي والبسكويت صدقة على صحة بدني . امتدت ممارستي للتجارة بعد التعليم سنين طوالا حتى بدأ الوهن يدبّ الى أوصالي وآن للجواد أن يرتاح بعد طول جهاد . غنمت من مهنتي الثانية مالا إضافيا مكّنني من تأمين ثمن حجة وعمرة في رمضان ، و أنعمت على عيالي بما قدرت عليه لتزويجهم و مساعدتهم على بناء قبر الحياة . وكدت خلال تلك المرحلة الثانية أن أنسى صفة المعلم وما خلفته في نفسي من أوجاع .ولم أندم على اختياري رغم تلميحات المناوئين والغيورين والحسودين . واكتفيت بالقول : هذا من فضل ربي .
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية