ألسنا في غربة!

بقلم /ابراهيم ناجي

أليس وجودنا في هذه الحياة هو عبارة عن غربة! الغربة في الأصل هي غربة الروح وليس الجسد، فكم من غريب في وطنه، وكم من غريب بين أهله.
أكملت اليوم الاول من شهر ثمانية عام ألفان ثلاثة وعشرون عامي الأول خارج وطني، لا أعرف هل أصفها بالغربة أم بولادة جديدة لي؟ لم تكن لي غربة بقدر ما أنها قد خلقت فيّ شخصاً جديداً بشخصية جديدة وأفكار أوسع، فتحت لي الباب واسعاً أمام الحياة لأخوض فيها وأجرب ما لم أكن أجرأ أن أفكر فيه حتى.، كانت تجربة الغربة بالنسبة لي كنفحة من الله وعمر الإنسان يقاس بما قدم لنفسه من أعمال تنفعه وليس بعدد السنين التي عاشها.
أسوء ما في الغربة هي أهلها، ستعرف ناس من كل مكان، ستصاحب هذا، وتتعامل مع هذا، وتسكن مع هذا، لكنهم في الغربة يخرجون أسوء ما فيهم من عيوب وسلوكيات، سيتركون معاناتك في العمل طوال الأيام وإرهاق المواصلات، وينظرون إلى الأجر الذي تأخذه، حتى أن بعضهم يحقد عليك لمجرد أنك تعمل. ستجد الحاقد والحاسد والمنافق وبائع الوهم، قد يخونك أقرب الأشخاص إليك، وقد يصبح بعض الذين تظنهم أصدقائك أكبر عائق في طريقك، وستجد الطيب والخلوق، لكن قد يكون الشيء المشترك بين هؤلاء وهؤلاء.. هو عدم تمنيهم الخير لك والحقد الذي ينزع من الإنسان إنسانيته.

ستمنحك الغربة الحرية التي لا ليس لها حدود، فلا أحد يراقبك ولا أحد يحاسبك، لكنها مقابل ذلك تحملك مسؤوليتها، فتمتحن ما تعتنقه من قيم ومبادئ، ستفتح لك الأبواب علي كل الطرق، وكل ما عليك أن تختار طريقاً تتحمل تبعاته، قد تسلك طريقاً وتضيع في متاهاته، وقد تسلك طريقاً يجعل منك شخصاً ذو شأن أمام نفسك، وأمام الناس، لا تخف من المغامرة، لا تٌكبّل نفسك بسبب خوفك من عواقب خوض التجربة، غامر وجرب، فالحياة تجارب.

ستجعلك الغربة أكبر من سنك بكثير، ستشيخ وأنت في ريعان شبابك، ستفتح عقلك على ما غفلت عنه طيلة حياتك، ستجعلك تتعرف على نفسك عن قرب، ستخلق فيك شخصاً جديداً، وستُدخل علي عقلك أفكاراً جديداً، ومن سوءاتها أيضاً أنها ستجعلك تحب المال وتسعي وراءه تلهث، لتستطيع سد حاجاتك اليومية. ستندم على أشياء كثيرة فعلتها في ماضيك، ستتمني لو كنت بعقلك هذا حيث فعلت هذه الأشياء، ستندم على ما فعلته في حق أهلك وأصدقائك من أشياء قد تبدوا لك في ظاهرها أنها تافهة، لك ما إن تمر على ذاكرتك اليوم.. تضحك على هذا العقل الذي كنت تملكه حينها.الحياة ألم وأمل، لا يمكن أن يتخلف أحدهم عن الآخر، فلأمل يخلق في رحم الألم، والألم هو ذاك الذي يأتي ليقومك ويجعلك تعيد التفكير في اقترفته يدك. في الغربة يطرق اليأس بابك كل يوم.. أما أن ترده وإما أن ترحب به ليعشش في قلبك وحينها يصبح قلبك بيتاً للهموم والأحزان، كل محنة تحمل في طياتها منح، اجعل من كل محنة تواجهك منحة تستفيد منها. تغيرت وتغيرت شخصيتي وأفكاري خلال عام، وتغيرت نظرتي للحياة فأصبحت أكثر جدية وأقل اكتراثاً، تغيرت علاقتي مع الجميع، أصبحت أكثر واقعية، كرهت الأحلام التي تبحر بنا وسط أمواج الواقع العالية التي تغرقنا ومعنا أحلامنا، وأصبحت خططي المستقبلية لا تتعدي حاضري.
أكثر ما أشتاق إليه هم أهلي،
واصحابي ، . واحلم بالحظه التي سنجلس فيها أخيراً على مائدة طعامٍ واحدة مجتمعين لا ينقصنا أحد. ومنحتني قدرات لم أكن لأتمتع بها لو بقيت حيث كنت، فما كنت أكرهه بالأمس “السفر” أصبحت ممتنناً له اليوم.قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم “وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ”.

ألسنا في غربة!
Comments (0)
Add Comment