بقلم_ دكتورة سلوى سليمان
“لتعيش عليك أن تغير، ولتكون مثاليا عليك أن تتغير”
جون هنري نيومان
نتطلع جميعا صوب التغيير، كي نحول رتابة الحياة إلى ديناميكية تدفعنا لإنجاز وتحقيق أهدافنا،
ونعلم أن التغيير الذي نريده ليس كلياً مطلقاً بل حتماً سيكون نسبياً وجزئياً، فلن نستطيع تغيير كل العالم أو كل الحياة؛ لذا علينا اولاً البدء بتغيير أنفسنا، وهذا هو التغيير الجزئي، وبذل ما أوتينا من جهد لتحقيق ذلك، بعدها نستطيع مؤكداً تغيير من حولنا حيث سنكون فعلاً قدوة وعنصر قادر لإحداث فرق وتغيير.
والسؤال هنا هل يمكنك تغيير الآخرين.. ؟
فدائماً لدينا شخص في حياتنا نتمنى أن يتغير ونقول في أنفسنا لو يستطيع…ان يغير ذاته، فقد يكون هذا الشخص فرداً من العائلة، أو أحد الأصدقاء أو في محيط حياتنا العامة أو العملية ويعاني من حياة تملؤها السلبية والخذلان، وقد يكون مكتئبًا وحزينًا ويائسًا وربما لا يؤمن بذاته. وفي كل مرة تراه تحاول أن تغمره بالحب والثقة بذاته، أو قد يكون صديقًاً، تراه متخبطًاً تائها، ليس لديه هدف؛ فتحاول أن تحتويه، وتخوض معه حواراً محفزاً كما ينبغي على الأصدقاء أن يفعلون، و يدور في خلدك، “لو أنه يستطيع أن يلملم شتات نفسه … “وأن يغير حياته ونظرته إليها ، فأنت تتعلق بأمل أن يتغير ذلك الشخص بطريقةٍ ما، وتأمل أن معلومة أو أمرًا قد فاته من شأنه أن يُغير كل شيء، وقد تواصل تزويده بكتب لا يقرؤها أبدًا، أو تتحدث معه بإيجابية محاولاً دعمه ودفعه كي يتغير
إلا أننا نعلم أن ذلك لن يجدي نفعاً، فلن نستطيع
كليتاً تغيير هذا الشخص، إلا إذا كانت الرغبة نابعة من داخله؛ فقط نستطيع تحفيزية كي يغير بعض من نفسه وليس كل نفسه، ويؤكد ذلك” مارك مانسون ” قائلاً :
لا يمكن تغيير الناس بالقوة.
حقيقة ًنحن لن نستطيع تغيير أحد بالقوة ولكن طوعاً.. بدعمه، ومساندته معنوياً بأن نكون له قدوة في تغيير ذاته، فكيف لك أن تساعد أحد في تغيير ذاته، وانت قلباً وقالباً لا تحاكي مضمون التغيير بحجة أن الوقت قد فات أو لم يعد هناك وقت…ففاقد الشئ لا يعطيه ويعضد ذلك “طارق البشري” موضحاً أنه إذا شئت
أن تغير حياة انسان تغييراً يصل إلى جذور وعيه، فلا تكتفي بأن ُتقرأه ما تريد ولكن اجعله يكتب أو يقرأ ما تريد.
ومن هنا.. لا يمكننا إكراه الأشخاص على التغيير، لكن يُمكننا أن ُنلهمهم إياه، ونثقفهم حوله، وندعمهم في إحداث التغيير، إلا أننا لا يمكننا ارغامهم عليه؛ لأن إجبار الشخص على فعل شيء ما يستوجب إكراهه أو استغلاله وإن كان الأمر لصالحه. وفي بعض الحالات التدخل في حياته ينتهك خصوصيته؛ مما يلحق الضرر بالعلاقة أكثر من إصلاحها، وهذه الانتهاكات تَمُر عادةً دون أن تُلاحظ، لأنها تقع بحسن نية، ولكي يتغير
الشخص بالفعل، عليه أن يشعر بأن هذا التغيير مُلكاً له؛ فهو من اختاره وهو من يتحكم فيه، وبخلاف ذلك لن يكون له أي تأثير وتحضرني هنا قصة في هذا الصدد.. يُحكى أن ملكاً كان يحكم دولة واسعة جداً، وأراد هذا الملك يوماً القيام برحلة برية طويلة.. وخلال عودته وجد أن أقدامه قد تورمت بسبب المشي في الطرق الوعرة، فأصدر مرسوماً يقضي بتغطية كل شوارع المملكة بالجلد، ولكن أحد المستشارين حوله أشار عليه برأي آخر أفضل مما ذكره الملك نفسه، وهو عمل قطعة جلد صغيرة تحت قدمي الملك فقط، فكانت تلك الفكرة بداية صناعة الأحذية؛ فلتكن أنت التغيير، كن نموذج يُحاكى، ويسير الآخر على نهجه.
هذه حقيقة غاية في الأهمية وكثيراً نجهلها ونحن نسير في مشاريع التغيير المتنوعة هنا وهناك. بل تغيب كليتاً، حين يكون أحدنا صاحب القرار أو يكون متمكناً في موقعه، سواء كان حاكماً أو رئيساً أو وزيراً أو غير ذلك من مناصب ومهام رفيعة الشأن.
اخيراً… ليس بوسعنا الا أن نبدأ بتغيير ذواتنا فلن نستطيع تغيير احد بالقوة؛ ولهذا إذا أردت أن
تعيش سعيداً في هذه الحياة، فلا تحاول تغيير كل الحياة أو كل العالم، بل ابدأ مشروع التغيير ، في نفسك أولاً، وابذل جهدا لتغيير من حولك…
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية