إبراهيم الديب
قابلني صديقي صغير السن مثلي واوقفني في الطريق، و ليس هناك داعي لذكر اسمه الأن ؛ فنحن الآن في الثانية عشر، أو الثالثة عشر ،كنت متجه إلى للمقهى، وقال وهو مستجمعا أمره وكأنه يقبض على سرا خطيراً وعزم على البوح به : أريدك في أمر مهم يخص مستقبلنا، قالها بتجهم وصرامة شديدة ،وكأنه يتحدث عن مصير منطقة الشرق الأوسط، وأن هذا السر سيقوم على الفور بحل مشاكلها المعقدة المزمنة منذ عدة عقود ، ثم أردف بصرامة أشد دون أن أنطق بكلمة واحدة إلى الان : أتدري أننا كبرنا بما فيه الكفاية، ولابد أن يتغير وضعنا حتى يتلائم مع مرحلتنا العمرية التي نحن فيها، فقلت له وأنا تحت الدهشة والمفاجأة:
– ما المسألة أصلا حتى أفهم وما هي المشكلة وما هي الوسيلة من وجهة نظرك لحلها إذا كانت هناك مشكلة في الأساس..
فقال على الفور وبإصرار شديد قرأته من نظراته :
– أعتقد أنه لم يعد أحد يحترمنا بعد الآن إلا إذا قمنا على الفور بتدخين السجاير على الأقل فى هذه الفترة وعلى وجه السرعة، حتى نصبح رجالا وأكد بأسف أشد أن :هناك من هو أصغر منا بعام ،وعامين دخلوا عالم الرجولة بتدخين السجاير بل هناك من تخطاها للحشيش وقد شاهدت بعيني رأسي وكاد أن يبكي اسى وحزناً على مصيرنا وكرامتنا المهدرة…. و أردف وأنه لم يعد يصح بعد الان تحت أي ظرف، أن نقبع ونظل في عالم الطفولة ولا يحترمنا أحد، ثم سألني بطريقة مباغتة كما يفعل رجال المباحث المحنكين إلي أين أنت ذاهب قلت:
– للمقهى من أجل مشاهدة فيلم” رصيف نمرة خمسه” فقال هل معك نقود قلت على الفور معي خمسة قروش اشرب شاي بقرشين ، و أشتر بقرش لب أسمر، ولم أقرر بعد كيفية التصرف في المبلغ المتبقي ،ثم اردفت ربما أشرب شايا مرة أخرى فقال لي:
– ناولني الخمس القروش ناولته إياها وقال بلهجة آمرة انتظرني هنا سأشتري علبة سجاير عشرة، ومشط كبريت واعود حالا وسنكون رجال ابتداء من اليوم بل من هذه الساعة، وسيحترمنا الجميع ، أثناء انتظاري له مر من: أمامي ولد يبلغ من العمر حوالي عشر سنوات فنظرت مشفقا عليه لأنه ما زال يقبع في: عالم الطفولة ولم يجد من يحنو عليه مثل صديقي النبيل وأن بينه بين تدخين السجاير مسافات أما نحن سنقوم بتدخينها أنا بعد قليل ..
وصل صديقي بالسجاير و قال :
– لقد اشتريت السجاير والكبريت بخمسة : قروش و بالباقي ملبن ولب وقطعة ملبن كبيرة …..ثم أخرج واحدة من العلبة وأشعلها بطريقه احترافيه مثل نجوم السينما المصرية، وخاصة محمود المليجي وهو يدبر مكيدة شريرة ينهي بها مستقبل بطلة الفيلم والتي هي عادة شابة و جميلة أنيقة نضرة، وفوق ذلك بريئة، وأنا في كل الأحوال متعاطفا معها ، وشد صديقي عدة أنفاس متلاحقة باحترافية أشد وأخذ يطلق دخانها باتجاه قبة السماء بنشوة عارمة ، قلت في نفسي يبدوا أنها ليست المرة الأولي له في ممارسة التدخين.
ثم ناولني السيجارة وقمت بشد نفسا غشيما منها ،وعندما شاهد تعثري في المحاولة أخذ يشجعني و بدأ في توجيهي كيف: أشد الأنفاس بصورة صحيحة وقمت بتطبيق إرشاداته، وحبس دخان كثير في صدري وحلقي، دخلت على اثر ذلك في نوبة كحة شديدة ، ودمعت عيناي ،وشعرت بدوخة ، وكدت أسقط علي الأرض على اثرها، ولكني تمالكت نفسي بصعوبة شديدة وقلت له : بعد أن قمت بسبه وتوبيخه على فكرة التدخين من الأساس، وعلى الساعة التي قابلته فبها، وبسبب تبديد الخمسة قروش، والكحة التي لا استطيع مقاومتها ، ثم أردفت له قائلاً: لقد أقلعت عن التدخين نهائيا إلى غير رجعة، وهو لا يعبئ بي ولا بما أقول و يواصل سخريته مني. ثم قلت له بحسرة وغيظا شديداً: خذ السجاير واللب والملبن لا أريد منك شيئاً على الاطلاق ، وعدت كرة أخرى للبيت بعد أن تبددت الخمس قروش ولم أستطع الذهاب للمقهى بسبب الرجولة التي أردت دخولها، في الحقيقة لم أكن آسف علي شيء أكثر من عدم تمكني مشاهدة فريد شوقي النبيل الطيب ، وهو يضرب محمود المليجي المجرم ، الشرير ، ويقبض عليه و علي زكي رستم بعد التآمر عليه وقتلهم زوجته وتسببهم في فصله من الشرطة، وعدم تعاطفي هذه المرة مع ؛ابن فريد شوقي في الفيلم مثل أفعل في كل مرة شاهدت فيها فيلم رصيف نمرة خمسه، والتي حرمتني من مشاهدته عملية التدخين الفاشلة، لم يتوقف صديقي الذي فاز بالسجاير واللب والملبن وحده عن التدخين حتي الساعة هذه، أما أنا فلم أدخن بعد عدة الأنفاس الغشيمة بعدها على الاطلاق …
إبراهيم الديب/ مصر